ثم القائلون بأن الأعمالَ داخلةٌ تحت اسم الإيمان اختلفوا: فقال الشافعيُّ رحمه الله: الفِسقُ لا يُخرِجُ عن الإيمان، وهذا في غاية الصعوبة، لأنه إذا كان اسماً لمجموعِ أمورٍ فعند فَوَاتِ بعضِها يفوتُ ذلك المجموعُ، إذ المجموعُ ينتفي بانتفاءِ جُزئِهِ، فوجبَ أن ينتفيَ الإيمانُ (1) .
وأما المعتزلة فأصلُهم مطَّرِدٌ لأنهم قالوا: إن الفاسقَ يخرجُ من الإيمان ولا يدخلُ في الكفر كما تقدَّم، وتشبَّثوا على مدَّعاهم بقوله تعالى: ?وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِيعَ إيْمَانَكُمْ? [البقرة: 143] ، ووجهُ الاستدلال أنه لو لم يكن العملُ من مفهوم الإيمان لم يكن العملُ نفسَ مدلولِ الإيمان ولا جزءَ مدلولِهِ ولا لازِمَ مدلولِهِ، فلم يصحَّ إطلاقُ الإيمان عليه، لكن أطلَقَ اللهُ الإيمانَ عليه بقوله: ?وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِيعَ إيْمَانَكُمْ? [البقرة: 143] أي: صلاتَكم إلى بيت المَقدِسِ بالنَّقلِ عن المفسِّرين، فيكونُ العملُ إيماناً.
(1) لم يقل الشافعي رضي الله عنه بأن العملَ جزءٌ من ماهية الإيمان حتى يُلزَم بهذا، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في «فتح الباري» 1: 46: السلفُ قالوا: الإيمانُ اعتقادٌ بالقلب ونطقٌ باللسان وعملٌ بالأركان، وأرادوا بذلك أنّ الأعمالَ شرطٌ في كماله. وقال العلامة علي القاري رحمه الله في «شرح بدء الأمالي» ص32 بعد أن نقل عن مالك والشافعي والأوزاعي أن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان، قال: والظاهر ــ كما قال بعضُ المحقِّقين ــ أن مُرادهم أنها داخلةٌ في الإيمان الكامل، لا أنه ينتفي الإيمان بانتفائها كما هو مذهب المعتزلة والخوارج.
قلنا: فاعتراض المصنف متَّجهٌ على الخوارج وعلى بعض أهل الحديث ممن لا عناية لهم بالفقه الذين يقولون بأن العمل جزءٌ من حقيقة الإيمان لا من كماله فحسب، ويُسمُّون مَن يقول بأن العمل ليس ركناً من الإيمان مُرجئاً.