* فهذه القاعدة إذاً إنما تكون صواباً في المباحات والمستحبات لا في الواجبات فلا يُترك واجب من واجبات الدين كبيان التوحيد وإبطال دين المشركين سداً لهذه الذريعة. كما قد يفهم البعض.. ولو توسعنا في ذلك لأضعنا جُلّ ديننا.. لذا قال أبو بكر بن العربي في أحكام القرآن، ص 473: (المسألة الثانية) :"هذا يدل على أن للمحق أن يكف عن حق يكون له إذا أدى ذلك إلى ضرر يكون في الدين، وهذا فيه نظر طويل، اختصاره أن الحق إن كان واجباً فيؤخذ بكل حال، وإن كان جائزاً ففيه يكون هذا القول والله أعلم"اهـ. ويقول محمد رشيد رضا:" (ومنها) ما نُقل عن أبي منصور قال: كيف نهانا الله تعالى عن سب من يستحق السب لئلا يسب من لا يستحقه، وقد أمرنا بقتالهم وإذا قاتلناهم قاتلونا، وقتل المؤمن بغير حق منكر؟ وكذا أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالتبليغ والتلاوة عليهم وإن كانوا يكذبونه... وأجاب عنه: بأن سب الآلهة مباح غير مفروض، وقتالهم فرض وكذا التبليغ، وما كان مباحاً ينهى عما يتولد منه ويحدث، وما كان فرضاً لا ينهى عما يتولد عنه.."أهـ. وبمثل ذلك يُردّ على من احتج لإبطال ما ذكرناه من وجوب إظهار الدين، بما رواه البخاري في صحيحه، أن قوله تعالى: { ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها } [الإسراء: 110] . أنزلت ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - متوار بمكة. فكان إذا رفع صوته سمع المشركون فسبوا القرآن ومن أنزله ومن جاء به، وقال الله تعالى: { ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها } [الإسراء: 110] ، لا تجهر بصلاتك حتى يسمع المشركون. ولا تخافت بها عن أصحابك فلا تُسمعهم، وابتغ بين ذلك سبيلاً.