بهذه النصاعة، وبهذا الوضوح بين الله تعالى لنا المنهاج والطريق... فالطريق الصحيح والمنهاج القويم.. هو ملة إبراهيم... لا غموض في ذلك ولا التباس، ومن يرغب عن هذه الطريق بحجة مصلحة الدعوة أو أن سلوكها يجر فتناً وويلات على المسلمين، أو غير ذلك من المزاعم الجوفاء.. التي يلقيها الشيطان في نفوس ضعفاء الإيمان - فهو سفيه، مغرور يظن نفسه أعلم بأسلوب الدعوة من إبراهيم عليه الصلاة والسلام الذي زكاه الله فقال: { ولقد آتينا إبراهيم رشده } [الأنبياء: 51] ، وقال: { ولقد اصطفيناه في الدنيا وإنه في الآخرة لمن الصالحين } [البقرة: 130] ، وزكى دعوته لنا وأمر خاتم الأنبياء والمرسلين باتباعها، وجعل السفاهة وصفاً لكل من رغب عن طريقه ومنهجه. وملة إبراهيم هي:
* إخلاص العبادة لله وحده، بكل ما تحويه كلمة العبادة من معان (1)
(1) ولن يستطيع العبد مواجهة الشرك وأهله ولن يقوى على التبرؤ منهم وإظهار العداوة لباطلهم إلا بعبادة الله حق عبادته، ولقد أمر الله عز وجل نبيه محمداً - صلى الله عليه وسلم - بتلاوة القرآن وقيام الليل في مكة وأعلمه بأن ذلك هو الزاد الذي يعينه على تحمل أعباء الدعوة الثقيلة وذلك قبل قوله: {إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً} [المزمل: 5] ، فقال: {يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلا، نصفه أو انقص منه قليلاً أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلاً} [المزمل: 1-4] ، فقام صلوات الله وسلامه عليه وقام معه أصحابه حتى تفطرت أقدامهم.. إلى أن أنزل سبحانه التخفيف في آخر الآيات.
... وإن هذا القيام بتلاوة آيات الله عز وجل وتدبر كلامه.. لخير زاد ومعين للداعي، يثبته ويعينه على مشاق الدعوة وعقباتها.. وإن الذين يظنون أنفسهم قادرين على تحمل الدعوة العظيمة بأعبائها الثقيلة بدون إخلاص العبادة لله عز وجل وبدون إطالة ذكره وتسبيحه لمخطئون وواهمون.. وإن ساروا خطوات، فلن يستطيعوا مواصلة الطريق الصحيح المستقيم بغير زاد.. وإن خير الزاد التقوى..
... ولقد وصف الله عز وجل أصحاب هذه الدعوة والذين أمر نبيه صلوات الله وسلامه عليه أن يصبر نفسه معهم بأنهم يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه، وبأنهم قليلاً من الليل ما يهجعون.. وتتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً وطمعاً.. ويخافون من ربهم يوماً عبوساً قمطريراً.. وغير ذلك من الصفات التي لا يصلح لهذه الدعوة وتحمل أعبائها إلا من اتصف بها، جعلنا الله تعالى وإياك منهم، فتنبه!!