فالدعوة إلى الله قائمة ودين المسلمين ظاهر ودعوتهم لنبذ الأوثان معلومة لكل أحد في مكة وبراءتهم منها بيّنة بادية، وإذا كان الأمر كذلك فترك الجهر بقراءة القرآن عند تلاوته، لدفع هذه المفسدة لا يطفىء نور الدعوة ولا يؤثر فيها تأثيراً سلبياً أبداً.. فالقرآن ينتشر في كل مكان رغم أنوف المشركين.. وملة إبراهيم معلنة لدرجة أن كل من يعلن إسلامه يسمى بالصابىء، أي الكافر بدينهم وبأوثانهم، والأمر في غاية الوضوح لا لبس فيه ولا إشكال.. أضف إلى ذلك أن رفع الصوت بالقراءة في الصلاة ليسمعه غير المصلين ليس واجباً من واجبات الصلاة، فجاز تركه سداً لهذه الذريعة، طبقاً لقاعدتها المذكورة الخاصة بترك المباحات والمستحبات دون الواجبات، فليس هذا تركاً لواجب بل يكفي في ذلك أن يسمع الإمام من يصلي خلفه وهو ما أمر الله تعالى به رسوله في قوله: { ولا تخافت بها } أي عن أصحابك.
* وهناك شبهة أخرى قد يحتج بها البعض.. وهي إيواء أبي طالب للنبي - صلى الله عليه وسلم - الذي امتن الله عز وجل به عليه فقال: { ألم يجدك يتيماً فآوى } [الضحى: 6] ، وكذا قصة جوار وأمان الكافر للمسلم وأمثلته كثيرة، من ذلك ما رواه البخاري في صحيحه عن جوار ابن الدغنة لأبي بكر في مكة.. وكذا النجاشي وإيوائه للمسلمين وهو على نصرانيته قبل إسلامه... وما شابهه... وخلاصة هذه الشبهة:"كيف يرضى المسلم في مثل هذه الأحوال بإيواء وحماية وجوار الكافر المخالف له في عقيدته ومنهجه؟؟ أفلا يتنافى هذا مع ملة إبراهيم في البراءة من المشركين...؟".
فنقول وبالله التوفيق: أن لا تعارض في هذه الأمثلة المذكورة مع ملة إبراهيم، ودعوة الأنبياء والمرسلين وذلك لأن الأمر كما قدمنا لك من قبل قسمان:
الأول: البراءة من آلهتهم الباطلة والكفر بطواغيتهم التي تعبد من دون الله عز وجل.