ولو تأملت قول عبد الله بن عمرو راوي الحديث السابق حين ذكر قول قريش للنبي - صلى الله عليه وسلم -"أنت الذي تقول كذا كذا"قال مفسراً لذلك:"لما بلغهم عنه من عيب آلهتهم ودينهم". والعيب عند العرب سب أو كالسب وقد عده ابن تيمية رحمه الله تعالى كذلك في كتابه الصارم المسلول على شاتم الرسول في (بيان أقسام السب) ص528 وغيرها.. ولكنه في هذا الموضع ليس سباً مجرداً كما عرفت.. فالنبي - صلى الله عليه وسلم - كان قائماً بدعوة التوحيد التي أرسله الله بها وبملة إبراهيم التي أمره سبحانه باتباعها. وهذا كله سب عند أولئك المشركين، لأنّه إبطال لدينهم وتنقص لآلهتهم المزعومة بتجريدها من صفات الألوهية التي ينعتونها بها.. وهذا هو عيب آلهتهم الذي ذكروه.. وكذلك وصف آبائهم بالضلال ليس استثارة مجردة لذاتها، بل لزجرهم عن تقليدهم ونهيهم عن متابعتهم على ضلالهم.. نقل القاسمي في تفسيره عن الرازي قوله:"وفي الآية تأديب لمن يدعو إلى الدين، لئلا يتشاغل بما لا فائدة له في المطلوب، لأن وصف الأوثان بأنها جمادات لا تضر ولا تنفع، يكفي في القدح في إلهيتها فلا حاجة مع ذلك إلى شتمها"اهـ... ولكن ذلك أيضاً لا يرضي الكفار ولا يعجبهم وإن لم يكن سباً مجرداً، فهو نسف لآلهتهم وكفر بها.. لذا سموه سباً، كما سمّوا وصف آبائهم بالضلال، شتما حيث قالوا:"سفَّه أحلامنا وشتم آباءنا وعاب ديننا وفرق جماعتنا وسب آلهتنا...".
يقول الشيخ محمد بن عبد الوهاب في الموضع الثاني من المواضع الستة التي ذكرها في السيرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه لما صرح بسب دينهم وتجهيل علمائهم فحينئذ شمروا له ولأصحابه عن ساق العداوة وقالوا: سفه أحلامنا وعاب ديننا وشتم آلهتنا، ومعلوم أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يشتم عيسى وأمه ولا الملائكة ولا الصالحين ولكن لما ذكر انهم لا يدعون ولا ينفعون ولا يضرون جعلوا ذلك شتماً"أهـ."