وقد صدع بها النبي - صلى الله عليه وسلم - وأعلنها وما كتمها، وتحمل هو وأصحابه ما نالهم من أذى على ذلك وما داهنهم لأجل ذلك، وحاشاه من أن يداهنهم، وإنما كان يثبت أولئك المؤمنون ويذكرهم بوعد الله تعالى وجنته، وبمواقف أهل الثبات ممن كانوا قبلهم، كقوله:"صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة"رواه الحاكم وغيره.
وقوله لخباب:"قد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض فيجعل فيها، ثم يؤتى بالمنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفين، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه ما يصدّه ذلك عن دينه، والله ليتمن الله تعالى هذا الأمر حتى يسير الرّاكب من صنعاء إلى حضرموت فلا يخاف إلا الله والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون" (1) .
يقول لأصحابه ذلك.. وفي الوقت نفسه يقول لقريش كما أمره الله تعالى: { قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فاستقيموا إليه واستغفروه وويل للمشركين } [فصلت: 6] والآيات مكية. ويقول: { قل ادعوا شركاءكم ثم كيدون فلا تنظرون * إن ولي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين * والذين تدعون من دونه لا يستطيعون نصركم ولا أنفسهم ينصرون } [الأعراف:195- 197] والآيات مكية.
(1) رواه البخاري وغيره، وهكذا كان صلوات الله وسلامه عليه، يثبت أصحابه ويذكرهم دوماً بأخبار أهل الثبات، حتى إذا ما ابتلي أحدهم في الله بلاء شديداً، لا يطيقه، ووقع فيما وقع فيه عمار رضي الله عنه، ذكر له عفو الله عن ذلك وترخيصه فيه... لا كأحوال كثير من دعاة زماننا، يدندنون على أحاديث الرخص والإكراه والضرورات طوال حياتهم، وكل أيامهم في غير مقامها، ويلجون بحجتها في كل باطل، ويكثرون سواد حكومات الكفر والإشراك، دونما إكراه أو اضطرار حقيقين... فمتى يظهرون الدين؟؟