يقول الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن في رسالة له في الدرر السنية وهو يتكلم عن الصدع بالدين والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:"وترك ذلك على سبيل المداهنة والمعاشرة ونحو ذلك مما يفعله بعض الجاهلين أعظم ضرراً وأكبر إثماً من تركه لمجرد الجهالة فإن هذا الصنف رأوا أن نيل المعيشة لا يحصل إلا بذلك فخالفوا الرسل وأتباعهم وخرجوا عن سبيلهم ومنهاجهم، لأنهم يرون العقل إرضاء الناس على طبقاتهم ويسالمونهم ويستجلبون مودتهم ومحبتهم، وهذا مع أنه لا سبيل إليه فهو إيثار للحظوظ النفسانية والدعة ومسالمة الناس وترك المعاداة في الله وتحمل الأذى في ذاته وهذا في الحقيقة هو الهلكة في الآجلة، فما ذاق طعم الإيمان من لم يوال في الله ويعاد فيه، والعقل كل العقل ما أوصل إلى رضى الله ورسوله، وهذا إنما يحصل بمراغمة أعداء الله وإيثار مرضاته، والغضب إذا انتهكت محارمه. والغضب ينشأ من حياة القلب وغيرته وتعظيمه وإذا عدم الحياة والغيرة والتعظيم وعدم الغضب والاشمئزاز، وسوى بين الخبيث والطيب في معاملته وموالاته ومعاداته فأي خير يبقى في قلب هذا..."اهـ. من جزء الجهاد ص35.
وتجد بعضهم يضحكون على أتباعهم من الشباب ويحاربون العزلة على الإطلاق ويردّون النصوص الثابتة في ذلك.. ويتغنّون بشعر ابن المبارك رحمه الله تعالى حين أرسل إلى الفضيل يقول:
يا عابد الحرمين لو أبصرتنا ... لعلمت أنّك بالعبادة تلعب
من كان يخضب جيده بدموعه ... فنحورنا بدمائنا تتخضب
... إلى آخر الأبيات.
ولو أبصرهم عابد الحرمين وأبصر دعواتهم هذه المعوجة فلعله يقول:"الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاكم به وفضلني على كثير ممن خلق تفضيلاً"...
وأنا أقول: شتان بين دعواتكم وطرائقكم هذه وبين جهاد ابن المبارك وأولئك الصالحين، حتى تنافسوا بها عبادة الصالحين.. بل وربما لو أبصر ابن المبارك دعواتهم هذه لأرسل للفضيل يقول:
يا عابد الحرمين لو أبصرتهم ... لحمدت أنك بالعبادة غائب