من كان لا يدعو بهدي نبيه ... فهو الجهول بدينه يتلاعب
نعم.. إن ملة إبراهيم تكلف الكثير.. ولكن بها يتعلق نصر الله والفوز الكبير.. وبها يتميز الناس إلى فريقين.. فريق إيمان، وفريق كفر وفسوق وعصيان.. وبها يتضح أولياء الرحمن من أولياء الشيطان.. وهكذا كانت دعوة الأنبياء والمرسلين.. لم تكن عندهم هذه الأوضاع المرضية التي نعيشها اليوم من اختلاط الحابل بالنابل، والصالح بالطالح، ومداهنة ومجالسة أهل اللحى لأهل الفسق والفجور وإكرامهم وتقديرهم وتقديمهم على أهل التقى والصلاح.. رغم إظهار أولئك بغض الدين وعداوته بصور شتى وتربصهم بأهله الدوائر.. بل كانت دعواتهم براءة واضحة من أقوامهم المعرضين عن شرع الله، وعداوة ظاهرة لمعبوداتهم الباطلة، لا التقاء في وسط الطريق ولا مداهنة ولا مجاملة في تبليغ شرع الله...
* واستمع إلى نوح في عمق الزمان، وهو يخاطب قومه وحيداً لا يخشى سلطانهم ولا طغيانهم.. يقول: { يا قوم إن كان كبر عليكم مقامي وتذكيري بآيات الله فعلى الله توكلت، فاجمعوا أمركم وشركاءكم، ثم لا يكن أمركم عليكم غمة ثم أقضوا إلي ولا تنظرون } [يونس: 71] .
وهل يقول مثل ذلك رجل مداهن لقومه... إنه كما يقول سيد قطب رحمه الله:"التحدي الصريح المثير، الذي لا يقوله القائل إلا وهو مالىء يديه من قوته، واثق كل الوثوق من عدته، حتى ليُغري خصومه بنفسه، ويحرضهم بمثيرات القول على أن يهاجموه، فماذا كان وراء نوح من القوة والعدة؟..."اهـ. كان معه الله، وكفى بالله هادياً ونصيرا... وقد أمر الله تعالى نبيه محمداً - صلى الله عليه وسلم - في مطلع هذه الآيات أن يتلو ذلك على قومه، فقال: { واتل عليهم نبأ نوح إذ قال لقومه... } [يونس: 71] .