رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال رحمه الله:"ما أفتيت حتى شهد لي سبعون أني أهلٌ لذلك"، وقال الإمام الشافعي رحمه الله:"وجعلت مالكاً حجةً بيني وبين الله تعالى".
وقوله (فقيل: يا أبا عبد الله {الرحمن على العرش استوى} [1] ، كيف استوى؟) : أي سأل هذا السائلُ الإمامَ مالك عن معنى استواء الله تعالى على العرش، وكان سؤاله على سبيل التكلُّف والخوض فيما استأثر الله تعالى بعمله،
(فقال) أي: أجاب الإمام مالك رحمه الله: (الاستواء غير مجهول) أي: أن معنى صفة الاستواء معلوم في اللغة،
وقوله (والكيف غير معقول) أي: أن كيفية هذه الصفة غير ممكن تصورها بعقولنا القاصرة، وتأمل كيف قال إن الكيف غير معقول ولم يقل غير حاصل، فهو رحمه الله يثبت صفة الاستواء بمعناها الظاهر في اللغة وينكر إمكانية إحاطة عقولنا بكيفية هذه الصفة، وهذا الإنكار تنزيه لله تعالى عن مشابهة صفاته لصفات المخلوقين، فهو استواء وعلو يليق بكمال الله تعالى وجلاله لا نقص فيه ولا مشابهة لشيء من مخلوقاته تعالى الله عن ذلك،
وقوله (والإيمان به واجب) أي: يجب على كل مسلم أن يؤمن بصفة الاستواء كما يجب عليه الإيمان بكل صفة من صفات الله ثبتت بالوحي، لأن إنكار صفة أو اسم من أسماء الله تعالى إلحاد، كما قال تعالى: {ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيُجزون ما كانوا يعملون} [2] ، والإلحاد التكذيب والعدول عن القصد نسأل الله السلامة من ذلك.
وقوله (والسؤال عنه بدعة) أي: أن السؤال عن كيفية صفات الله عز وجل وكنهها سؤالٌ عما لم يُحَدِّث به رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه، وهو المأمور بالتبليغ والبيان صلوات الله وسلامه عليه، وسؤال عما لم يسأل عنه صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم من هم في إيمانهم وحرصهم على العلم، فهذا السؤال خروج عن منهج الرسول صلى الله عليه وسلم في البلاغ والتعليم، وخروج عن منهح الصحابة رضوان الله عليهم في الطلب والتعلُّم.
وقوله (ثم أَمر بالرجل فأُخرج) أي: أن الإمام مالكاً طرد هذا المبتدع من مجلس علمه، سداً لذريعة الفتنة، ومبالغةً في التحذير من أهل البدع.
(1) طه - 5
(2) الأعراف - 180