وقد قال القرطبي رحمه الله بعد أن ذكر ما قيل في أسباب نزول هذه الآيات: وقيل إنها نزلت في زنى اليهوديين وقصة الرجم وهذا أصح الأقوال رواه الأئمة مالك والبخاري ومسلم والترمذي وأبو داود ... ثم ذكر لفظ الحديث. اه [1]
وروى ابن جرير رحمه الله عن ابن عباس رضي الله عنه: أن الآيات في المائدة من قوله (فاحكم بينهم أو أعرض عنهم) إلى (المقسطين) أنما أنزلت في الدية في بني النضير وبني قريظة، وذلك: أن قتلى بني النضير كان لهم شرف، وتودي الدية كاملة، وأن قريظة كانوا يودون نصف الدية، فتحاكموا في ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله ذلك فيهم، فحملهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على الحق في ذلك، فجعل الدية في ذلك سواء، والله أعلم أي ذلك كان، ورواه أحمد وأبو داود والنسائي بنحوه ... إلى أن قال:
وقد روي عن ابن عباس: أن هذه الآيات نزلت في اليهوديين اللذين زنيا، كما تقدمت الأحاديث بذلك، وقد يكون اجتمع هذان السببان في وقت واحد فنزلت هذه الآية في ذلك كله، والله أعلم. اه [2]
وأما ما ورد عن أهل التفسير من السلف فيمن أنزلت فيهم هذه الآيات وهي المسألة الأولى:
فقد أورد الطبري رحمه الله عن حذيفة بن اليمان فيما رواه الطبري بإسناده عن أبي البختري قال: سأل رجل حذيفة رضي الله عنه عن هؤلاء الآيات (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) (فأولئك هم الظالمون) (فأولئك هم الفاسقون) قال: فقيل ذلك في بني إسرائيل؟ قال حذيفة رضي الله عنه: نعم الإخوة لكم بنو إسرائيل، إن كانت لهم كل مرة، ولكم كل حلوة، كلا والله لتسلكن طريقهم قدر الشراك. اه [3]
وهذا يبين أن مذهب حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أن هذه الآيات وإن كانت قد نزلت في أهل الكتاب إلا أن حكمها عام لهم وللمسلمين ومن يفعل مثل فعلهم.
(1) تفسير القرطبي، ج 6/ 172، ط: دار الحديث.
(2) عمدة التفسير ج 4/ 184 - 155، وحديث ابن عباس رضي الله عنهما في الدية قال أحمد شاكر عنه: رواه أحمد بإسناد صحيح في المسند: 2122.
(3) تفسير الطبري ج6/ 253.