فهرس الكتاب
الصفحة 9 من 127

لست من فرسان هذا الميدان، لكني لم أجد من الأصحاب من تصدى لهذا الباب فتصديت لذلك من غير إعجاب، ومن عدم الماء تيمم بالتراب، وأنا أعلم أني لو كنت باري قوسها ونبالها وعنترة فوارسها ونزالها فلن يخلوا كلامي من الخطأ عند الانتقاد ولا يصفو جوابي من الكدر عند النقاد، فالكلام الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه هو كلام الله الحكيم ومن شهد بعصمته القرآن الكريم، وكل كلام بعد ذلك فخطأ وصواب وقشر ولباب.

ولو أن العلماء تركوا الذب عن الحق خوفا من كلام الخلق لكانوا قد أضاعوا كثير وخافوا حقيرا، وإن أخطئ فمن ذا الذي عُصِم؟ والقاصد لوجه الله تعالى لا يخاف أن ينقد عليه خلل في كلامه، بل يحب الحق من حيث أتاه ويقبل الهدى ممن أهداه، بل المخاشنة بالحق والنصيحة أحب إلي من المداهنة على الأقوال القبيحة، وصديقك من صَدَقَكَ لا من صَدَّقَكَ. اه [1]

فيا أيها القارئ الكريم لك غنم ما في هذا الكتاب وعلى مؤلفه غرمه، لك ثمرته وعليه تبعته، فما وجدت فيه من صواب وحق فاقبله ولا تلتفت إلى قائله، بل انظر إلى ما قال لا إلى من قال، واعلم أن الله تعالى قد ذم من يرد الحق إذا جاء به من يبغضه ويقبله إذا قاله من يحبه، فهذا خلق الأمة اليهودية الغضبية، وقد قال بعض الصحابة: أقبل الحق ممن قاله وإن كان بغيضا، ورد الباطل على من قاله وإن كان حبيبا، وما وجدت فيه من خطأ فإن قائلة لم يأل جهد الإصابة ويأبى الله تعالى إلا أن يتفرد بالكمال كما قيل: والنقص في أصل الطبيعة كامن، وكيف يُعصَم من الخطأ من خلق ظلوما جهولا، ولكن من عُدَّت غلطاته أقرب إلى الصواب ممن عدت إصابته،

هذا وسيلاحظ القارئ الكريم أني قد أكثرت من النقول عن علمائنا الأوائل وسلفنا الصالح ولم أدخل من عندي إلا ما كان لضرورة الشرح والبيان أو ضرب المثال، وذلك لأن في كلامهم بركة وغنى عن كلام غيرهم، فهم أتقى قلوبا وأعمق علما وأكثر بركة وهم أئمة الهدى ومصابيح الظلام، من سلك سبيلهم فاز ونجا (أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده) .

هذا وأسأل الله تعالى أن يجعل هذا الجهد خالصا لوجهه الكريم وذخرا لي يوم الدين، وأن

(1) الروض الباسم في الذب عن سنة أبي القاسم ج1/ 910.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام