للناس، وإعطائها صفة الإلزام والتي لا تكون إلأ لأحكام الشريعة كفر وشرك بالله تعالى، وهؤلاء لا تجوز طاعتهم فيها، بل يجب على كل مسلم الكفر بها وبمشرِّعيها لأنهم أرباب من دون الله تعالى، فإن هذا هو أساس التوحيد الذي لا يصح إلا به، قال تعالى (فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها والله سميع عليم) [1] ، والعروة الوثقى هي الشهادتين، فمن لم يكفر بالقوانين الطاغوتية وبالطواغيت من المشرعين لها فليس بمؤمن بنص القرآن الصريح.
ولذلك فقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا يصير الإنسان مؤمنا ولا يحرم الدم والمال إلا بالإيمان بالله تعالى والكفر بكل الطواغيت المعبودة من دون الله، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من قال لا إله إلا الله وكفر بما يُعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله ) ) [2]
قال محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في شرحه لهذا الحديث: وهذا من أعظم ما يبين معنى لا إله إلا الله، فإنه لم يجعل التلفظ بها عاصما للدم والمال، بل ولا معرفة معناها مع لفظها، بل ولا الإقرار بذلك، بل ولا كونه لا يدعو إلا الله وحده لا شريك له، بل لا يحرم ماله ودمه حتى يضيف إلى ذلك الكفر بما يُعبد من دون الله، فإن شك أو تردد لم يحرم ماله ودمه، فيا لها من مسألة ما أجلها ويا له من بيان ما أوضحه، وحجة ما أقطعها للمنازع. اه [3]
وقال حفيده الشيخ سليمان رحمه الله: اعلم أن النبي في هذا الحديث علق عصمة المال والدم بأمرين، الأول: قول لا اله الا الله، الثاني: الكفر فيمن يعبد من دون الله، فلم يكتف بلفظ المجرد عن المعني بل لا بد من قولها والعمل بها ... وقد أجمع العلماء على معنى ذلك فلا بد في العصمة من الإتيان بالتوحيد والتزام أحكامه وترك الشرك، كما قال تعالى (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله) [4] ، والفتنة هنا الشرك فدل على أنه إذا وجد الشرك فالقتال باق بحاله، كما قال تعالى (وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة) [5] ،
(1) سورة البقرة، الآية: 256.
(2) رواه مسلم عن أبي مالك الأشجعي رضي الله عنه، ورواه الإمام أحمد بلفظ (من وحَّد الله وكفر بما يُعبد من دون الله حرم ماله ودمه وحسابه على الله عز وجل) ، ورواه أيضا ابن حبان وابن أبي شيبة.
(3) (( فتح المجيد شرح كتاب التوحيد / 84، ط: الرياض.
(4) سورة الأنفال، الآية: 39.
(5) سورة التوبة، الآية: 36.