ولوازمه، فإن انتفى هذا الرد انتفى الإيمان ضرورة انتفاء الملزوم لانتفاء لازمه، ولا سيما التلازم بين هذين الأمرين فإنه من الطرفين، وكل منهما ينتفي بانتفاء الآخر، ثم أخبرهم أن هذا الرد خير لهم وأن عاقبته أحسن عاقبة. اه [1]
ويقول ابن كثير رحمه الله: فما حكم به كتاب الله وسنة رسوله وشهد له بالصحة فهو الحق، وماذا بعد الحق إلا الضلال، ولهذا قال تعالى (إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر) ، أي ردوا الخصومات والجهالات إلى كتاب الله وسنة رسوله فتحاكموا إليهما فيما شجر بينكم، فدل على أن من لم يتحاكم في محل النزاع إلى الكتاب والسنة ولا يرجع إليهما في ذلك فليس مؤمنا بالله ولا باليوم الآخر. اه [2]
ويقول الشيخ ناصر السعدي رحمه الله: الرد إلى الكتاب والسنة شرط في الإيمان ... فدل ذلك على أن من لم يرد إليهما مسائل النزاع فليس بمؤمن حقيقة، بل مؤمن بالطاغوت كما جاء في الآية (ألم تر إلى الذين يزعمون ... ) الآية، فإن الإيمان يقتضي الانقياد لشرع الله وتحكيمه في كل أمر من الأمور، فمن زعم أنه مؤمن واختار حكم الطاغوت على حكم الله فهو كاذب في ذلك. اه [3]
ويؤكد سيد قطب رحمه الله على أن عدم تحكيم شريعة الإسلام لا يجتمع مع الإيمان البتة فيقول عند قوله تعالى (وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله ثم يتولون من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين) [4] : فهي كبيرة مستنكرة أن يحكموا رسول الله فيحكم بشريعة الله وعندهم - إلى جانب هذا - التوارة فيها شريعة الله فيتطابق حكم رسول الله وما عندهم في التوارة مما جاء القرآن مصدقا ومهيمنا عليه، ثم يتولون من بعد ذلك ويعرضون، سواء كان التولي بعدم التزام الحكم أو بعدم الرضا به، ولا يكتفي السياق بالاستنكار ولكن يقرر الحكم الإسلامي في مثل هذا الموقف (وما أولئك بالمؤمنين) ، فما يمكن أن يجتمع الإيمان وعدم تحكيم شريعة الله أو عدم الرضى بحكم هذه الشريعة، والذين يزعمون لأنفسهم أو لغيرهم أنهم مؤمنون ثم لا يحكمون بشريعة الله في حياتهم أو لا يرضون حكمها إذا طبق عليهم ... إنما
(1) إعلام الموقعين ج1/ 49 - 50.
(2) تفسير ابن كثير ج3/ 209.
(3) راجع تفسير السعدي ج2/ 90.
(4) سورة المائدة، الآية: 43.