فهرس الكتاب
الصفحة 23 من 127

أنزل الله إليك) [1] .

فكل هذا من عند الله تعالى ومن الدين الذي أنزله على رسوله صلى الله عليه وسلم، فالإيمان بدين الإسلام والرضا به يقتضي الرضا بكل أحكام الله تعالى دون تفريق وإن خالفت الهوى.

قال ابن القيم رحمه الله: وأما الرضا بدينه فإذا قال أو حكم أو أمر أو نهى رضي كل الرضا ولم يبق في قلبه حرج من حكمه وسلم له تسليما، ولو كان مخالفا لمراد نفسه أو هواها أو قول مقلده وشيخه وطائفته. اه [2]

والرضا بالإسلام دينا هو الرضا والقبول بكل ما أنزله الله تعالى من تشريعات أو أحكام أو آداب في قرآنه المنزل أو سنه النبي صلى الله عليه وسلم في سنته القولية والفعلية.

وإن أي مكلف لم يقبل شرع الله تعالى ورده سواء كان ذلك بقوله أو بفعله، أو تمرد على أوامر الله تعالى وردها كلها أو رد بعضها فهو كافر بدين الإسلام، وإن تسمى بعد ذلك بأسماء المسلمين، ولا ينفعه حينئذ ما يقوم به من ظواهر أعمال الإسلام من صلاة أو صيام أو حج ونحوه، فإن الإسلام له أسس لا يصح ولا يقبله الله تعالى إلا بوجودها، وإن من هذه الأسس العظيمة الرضا بحكم الله تعالى ودينه وشريعته، وإن أي مجتمع أو جماعة أو طائفة تتمرد على دين الله تعالى فلا تحكمه في حياتها وفي كل شئونها، إنما تعلن وبكل صراحة ووضوح أنها لا ترضى بالإسلام دينا، فإن أعظم علامات الرضا بدين الله تعالى والإيمان به هي تحكيم شريعته بين الناس، ومتى كانت شريعة الله غائبة بين قوم، ومتى لم يكن دينه هو المهيمن على حياة الناس، فاعلم أن هؤلاء القوم إنما يرفضون دين الله تعالى، سواء قالوا ذلك بلسان الحال أو بلسان المقال، وقد يكون لسان الحال أعظم من لسان المقال.

ولذلك يقول ابن القيم رحمه الله: إن قوله تعالى (فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الأخر) نكرة في سياق الشرط تعم كل ما تنازع فيه المؤمنون من مسائل الدين دقة وجله، جليه وخفيه، ولو لم يكن في كتاب الله ورسوله بيان حكم ما تنازعوا فيه ولم يكن كافيا لم يأمر بالرد إليه، إذ من الممتنع أن يأمر تعالى بالرد عند النزاع إلى من لا يوجد عنده فصل النزاع، ومنها أنه جعل هذا الرد من موجبات الإيمان

(1) سورة المائدة، الآية: 49.

(2) مدارج السالكين شرح منازل السائرين لابن القيم، ج 2/ 118.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام