تعالى أعلم.
وهذا المسلك هو الذي يجب الأخذ به عند النظر في أقوال العلماء الذين تكلموا في مسألة الحاكمية، فلا تكاد تجد أحدا ذكر أن من الحكم بغير ما أنزل الله كفر أصغر أو كفر دون كفر وفسق دون فسق وظلم دون ظلم إلا ويذكر النوع الذي يدخل في الكفر الأكبر كذلك، وسننقل هنا ما ورد عن العلماء في ذلك، ووجه الجمع بين أقوالهم وحمل كل قول على ما يليق به.
قال ابن القيم رحمه الله في كلامه عن هذه الآية: والصحيح أن الحكم بغير ما أنزل الله يتناول الكفرين: الأصغر والأكبر، بحسب حال الحاكم، فإنه إن اعتقد وجوب الحكم بما أنزل الله في هذه الواقعة وعدل عنه عصيانا مع اعترافه بأنه مستحق للعقوبة فهذا كفر أصغر، وإن اعتقد أنه غير واجب وأنه مخير فيه مع تيقنه أنه حكم الله فهذا كفر أكبر، وإن جهله وأخطأه فهذا مخطئ له حكم المخطئين. اه [1]
وقال ابن أبي العز الحنفي رحمه الله: وهنا أمر يجب أن يُتفطن له، وهو أن الحكم بغير ما أنزل الله قد يكون كفرا ينقل عن الملة، وقد يكون معصية كبيرة أو صغيرة، ويكون كفرا إما مجازيا وإما كفرا أصغر على القولين المذكورين، وذلك بحسب حال الحاكم:
فإنه إن اعتقد أن الحكم بما أنزل الله غير واجب وأنه مخير فيه أو استهان به مع تيقنه أنه حكم الله فهذا كفر أكبر، وإن اعتقد وجوب الحكم بما أنزل الله وعلمه في هذه الواقعة وعدل عنه مع اعترافه بأنه مستحق للعقوبة فهذا عاص ويسمى كافرا كفرا مجازيا أو كفرا أصغر، وإن جهل حكم الله فيها مع بذل جهده واستفراغ وسعه في معرفة الحكم وأخطأه، فهذا مخطئ له أجر على اجتهاده وخطؤه مغفور. اه [2]
قلت: فانظر إلى قول ابن القيم ومثله قول ابن أبي العز رحمهما الله تجد أنهما حكما على من اعتقد أنه مخير في الحكم بما أنزل الله أو بغيره، أو أظهر ما يدل على الاستهانة بحكم الله تعالى أنه كافر كفرا أكبر، وهذا حال حكام وقضاة بلادنا اليوم.
(1) مدارج السالكين، ج 1/ 365
(2) شرح العقيدة الطحاوية / 323 - 324.