وقد وصف الله سبحانه وتعالى أصحاب الكبائر بالإيمان كقوله تعالى: {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} [الحجرات: 9] . فمع أنهم ارتكبوا كبيرة وهو قتالهم إخوانهم ـ لكن لا يزال اسم الإيمان منطبق عليهم.
وكذلك قوله تعالى: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 178] ، فالآية في القصاص وصف القاتِل الذي ارتكب الكبيرة من أكبر الكبائر وهي قتل النفس بأنه أخ للمقتول: أخوة إسلام وإيمان، فلو كان كافراً لما وصف الله بأنه أخو المسلم، ولوصفه بالكفر أو العدو.
فلما لم يكن ذلك عُلم أن فاعل الكبيرة حكمه مؤمن وليس بكافر كما تعتقد الوعيدية.
لكن إيمانه ينقص بحسب هذه الكبيرة كما سيظهر ذلك في مناقشة المرجئة.
2 ـ الاستدلال بقوله تعالى: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة: 27] ، المتقي في العمل هو المخلص لله تعالى فيه وعمله صواباً موافق للشريعة وهما شرطا قبول العمل ـ، أما مرتكب الكبيرة فهو لا يزال مخلصاً لله تعالى وعمله هذا خطأ، لكن باقي عمله الآخر، أو أعماله الأخرى ضائعة، والقول أنه غير متقي بسبب هذا العمل فقط يحتاج إلى دليل، وكونه غير متق في كبيرته فهو كذلك، لكن هذا لا يُخرجُه من دائرة الإسلام إذ لو كان فيه خروج عن الإسلام لأمر النبي، من ارتكب المعاصي من أصحابه، كمن شرب الخمر، وزنى وقذف، أن يجدد إيمانه، لكن لما لم ينقل ذلك ـ وقد نُقل ما هو أقل منه شأنا ـ عُلِم أنه ما زال مؤمناً بعمله، فاسق بكبيرته. كيف وقد عاملهم النبي، معاملة المسلمين.
ـ هذا وقد يؤول الأمر بهؤلاء إلى إبطال دلالة أو حقيقة نصوص الوعد إبطالاً بالكلية!
3 نقول الكفر الوارد في نصوص الوعيد للعصاة من المؤمنين كفرٌ غير مخرج عن الملة، وهو الكفر العملي الأصغر؛ لأن الله تعالى حكم على السارق بقطع اليد، وعلى الزاني والقاذف بالجلد، أو الرجم للمحصن، ولو كان كافراً لأمر سبحانه بقتله، لأن حكم الكافر المرتد هو القتل وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله، قال: (( من بدّل دينه فاقتلوه ) )رواه البخاري [1] ، وهو الأمر المجمع عليه.
(1) البخاري 3/ 19 - 10، كتاب الجهاد، باب لا يعذب بعذاب الله رقم 2854.