وهو قول عامة المرجئة وهم على نقيض الوعيدية، فمرتكب الكبيرة عندهم كامل الإيمان دنياً وآخرة؛ بناءاً على سابق قولهم بأنه لا يضر مع الإيمان معصية [1] .
أما في الآخرة فحكمه إلى الله تعالى، لكن الله سبحانه وتعالى وعد المؤمنين بالرحمة والمغفرة فيتحقق وعده سبحانه على العصاة.
-أدلتهم على قولهم:
أدلتهم هي عموم نصوص الوعد بالرحمة والمغفرة والتجاوز عن المؤمنين ومنها:
1 قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ} [النساء: 48] . فمرتكب الكبيرة مؤمن لم يشرك بالله، فهو مستحق لمغفرة الله ولا يستحق النار لأنها لا يصلاها إلى الكافرين المشركين، فيكون من أهل الجنة.
2 أن العفو مأمؤل من الله وهو سبحانه قد حثنا عليه وحبَّبنا إلى فعله، قال تعالى: {وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: 134] .
والعفو منه سبحانه أكثر تحققا من عقوبته، وحسن العفو منه سبحانه يقتضي العفو عن الفاسق وصاحب الكبيرة دون الشرك والكفر.
3 ـ قوله تعالى: {إِن تَجْتَنِبُوا كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلاً كَرِيماً} [النساء: 31] ، والكبائر في الآية هي الكفر والشرك بدليل قوله {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ} فلما كان تكثير السيئات متحقق، كان العاصي مُكفرٌ عنه سيئاته. لقوله تعالى: {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [هود: 115] .
4 قوله تعالى: {إِنَّ رَحْمةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف: 56] ، وقوله تعالى: {إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف: 87] .
ومرتكب الكبيرة مؤمن ورحمة الله لا تكون للكافر، ومرتكب الذنب مأمور بعدم اليأس من روح الله، وهو ما زال من المحسنين.
-القول الثالث:
(1) انظر قولهم في"التمهيد"395 - 404 للباقلاني، كذلك"الإرشاد"321 - 326.