نزاع لفظي. وإلا فالقائلون بأن الإيمان قول من الفقهاء كحماد بن أبي سليمان، وهو أول من قال ذلك، ومن اتبعه من أهل الكوفة وغيرهم، متفقون مع جميع علماء السنة:
على أن أصحاب الذنوب داخلون تحت الذم والوعيد، وإن قالوا: إن إيمانهم كامل كإيمان جبريل، فهم يقولون: إن الإيمان بدون العمل المفروض، ومع فعل المحرمات يكون صاحبه مستحقاً للذم والعقاب، كما تقوله الجماعة.
ويقولون أيضاَ: بأن من أهل الكبائر من يدخل النار، كما تقوله الجماعة.
والذين ينفون عن الفاسق اسم الإيمان من أهل السنة متفقون على أنه لا يخلد في النار.
فليس بين فقهاء الملة نزاع في أصحاب الذنوب إذا كانوا مقرين باطناً وظاهراً بما جاء به الرسول،، وما تواتر عنه أنهم من أهل الوعيد، وأنه يدخل النار منهم من أخبر الله ورسوله بدخوله إليها، ولا يُخلد منهم فيها أحد، ولا يكونون مرتدين مباحي الدماء )) اهـ [1] .
ولذا فإنك تجد كتب الفقه عند مرجئة الفقهاء مليئة بتقرير الأحكام العملية وترتيب الجزاءات عليها، وهذا مما يستصحب كون النزاع معهم لفظياً؛ إذ لو كان العمل غير واجب لما قرَّروه هذا التقرير في كتب فروعهم، التي هي من أخصب المذاهب الفقهية بسطاً لتلك المسائل.
ولكن من نظر إلى بعض المسائل المترتبة على الخلاف مع مرجئة الفقهاء:
مسائل زيادة الإيمان ونقصانه.
واستواء الناس في أصل الإيمان.
وتحريم الاستثناء في الإيمان مطلقاً، كما تقول مرجئة الفقهاء، يكون الخلاف والحالة هذه حقيقياً [2] .
فصح من ذلك أن التحقيق في الخلاف بين أهل السنة والجماعة وبين مرجئة الفقهاء، في أنواع صوره: فمنه ما هو خلاف لفظي وصوري كالاختلاف في الأعمال ودخولها في مسمى الإيمان إذ الجميع يوجبها، ويترتب الوعيد على تاركها ويجعله مستحقاً للعقاب، مع القول بعدم تخليد أصحاب الذنوب في النار وتحقق الوعيد المجمل فيهم.
(1) من كتاب الإيمان (281 - 282) ، وانظر المجموع نفسه (7/ 297) .
(2) وانظر بحث مفهوم الإيمان عند السلف وغيرهم للعبد الفقير (101 - 105) .