وقد اتفق أبو حنيفة وأصحابه مع أهل السنة والجماعة في مسألة"الوعيد المجمل"وهو وجوب دخول أحد العُصاة النار من غير تخليد فيها، ولكنهم لا يحددون صاحب معصية بعينه.
وقد خالف أبو حنيفة رحمه الله المرجئة في الوعيد المجمل لأنهم لا يقطعون به.
ـ كما اتفقوا على أن مرتكب الكبيرة لا يخرج من الإيمان بل هو داخل في مشيئة الله سبحانه وتعالى إن شاء عذّبه وإن شاء غفر له. وعلى ذلك إذا دخل مرتكب الذنب النار وهو موحد فإنه لا يخلد فيها.
أما قول أبي جعفر الطحاوي [1] في عقيدته [وأهله في أصله سواء] أي في أصل الإيمان، فهو رحمه الله جعل الناس ـ المسلمين متساويين في أصل الإيمان، وذلك بناءاً على قوله في عدم دخول الأعمال في الإيمان.
وقد حاول الشارح رحمه الله أن يلتمس التوفيق في هذا القول مع عقيدة الجمهور من السلف، يقول: (( مستوون في أنهم عقلاء وغير مجانين، وبعضهم أعقل من بعض، وكذلك في الإيجاب والتحريم ) ). وهذا فيه من التعسف ما فيه، وليس المقام مقام المناقشة. والصواب خلاف ما قالاه عفى الله عنهما.
إذ الناس مختلفون في أصول الإيمان، كما هم متفاوتون فيه ولنصر هذا اختلافهم حول تعريفه وكثير من مسائله.
ومما يدل كذلك على تفاوت الناس في أصل الإيمان تفاوتهم في عبورهم الصراط يوم القيامة بل حسب إيمانه وعمله.
لما في الصحيحين عن أبي هريرة ¢ وهو حديث الشفاعة وفيه:
(( ويضرب الصراط بين ظهري جهنم فأكون أنا وأمتي أول من يجيزها ولا يتكلم يومئذ إلا الرسل ودعوة الرسل يومئذ اللهم سلم سلم وفي جهنم كلاليب مثل شوك السعدان ...
(1) هو أحمد بن محمد الأزدي الطحاوي نسبة إلى قرية في صعيد مصر. الفقيه المحدث الحافظ ولد 329 ه بمصر وتوفي فيها 321 ه، أخذ العلم عن جمع من العلماء منهم خاله الإمام المزني ـ صاحب الشافعي ـ لكنه مال إلى مذهب أبي حنيفة لأن خاله كان يأخذ من كتبهم، أثنى عليه العلماء كالذهبي وابن كثير وقال هو أحد الثقات والحفاظ الجهابذة. اهـ. له عدة مصنفات ك"العقيدة الطحاوية"و"معاني الآثار"و"أحكام القرآن"و"الرد على أبي عبيد وعيسى بن أبان"و"مشكل الآثار". انظر مقدمة الشرح الطحاوية.