وقد أجاب بعضهم كأحد الأشاعرة [1] عن استدلال أهل السنة والجماعة بقوله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} [البقرة: 143] ، وعن حديث أبي هريرة في ذكر شعب الإيمان بأن الآية محمولة على التصديق والمراد وما كان الله ليضيع تصديقكم نبيكم فيما بلغكم به من الصلاة إلى القبلتين، وأما الحديث فهو آحاد مؤول، والعرب تسمي الشيء باسم الشيء إذا دلَّ عليه أو كان بسبب. انتهى كلامه. وهذا قول فيه تكلف على حمل النصوص، وبيانه بالآتي:
1 أن المراد بالآية كما ورد في سبب نزولها فيه (( وكان الذي مات على القبلة قبل أن تحول قِبَل البيت رجال قُتِلوا لم ندر ما نقول فيهم .. ) )فالسؤال كان عن أولئك الذين ماتوا، وما حال صلاتهم؟ ولم يكن الخطاب عن حالِ إيمانهم بالنبي، وتصديقهم له. فهؤلاء هل تقبل صلاتُهم إلى بيت المقدس أم لا؟ فأنزل الله تعالى الآية بياناً لقبول عملهم وصلاتهم. فهذا المعنى هو الظاهر من الآية بعد العلم بسبب نزولها، فلا يجوز العدول عن المعنى الظاهر إلى غيره إلا بدليل، وليس ثمة دليل.
2 أما المعنى الذي ذكرته وهو (( ما كان الله ليضيع تصديقكم ) )، فإن هذا يدخل ضمناً في عدم إضاعة هذه الصلاة التي صلوها، لأن من تصديق النبي، اتباع ما أمره به من التحول إلى بيت المقدس ثم التحول إلى البيت الحرام.
ومن تصديق أولئك المقتولين متابعتهم لأمر نبيهم، واستجابتهم لشرعه.
3 أما الحكم على حديث شعب الإيمان بأنه آحاد، فمردود:
بأن خبر الآحاد معتبر عند أهل الإسلام إذا صح سنده ومتنه ولم يخالف غيره لعموم قوله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} [الحشر: 7] .
وكونه الحديث آحاداً ليس ذلك قادحاً عند أهل الصنعة من أهل الحديث، ولم نسمع بالقدح فيه إلا عند من فسدت عقيدته، وتلوثت بمذاهب الجهمية والفلاسفة [2] .
(1) هو أبو المعالي الجويني إمام الحرمين ت (478 ه) في"الإرشاد"334 - 335.
(2) ومسألة حجية خبر الآحاد في العقيدة والشريعة مبسوطة في تصانيف كثيرة من أبسطها،"الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة"للعلامة ابن القيم.