التي تحدد منهجه. و عليه فإنه لا يصح شرعا و لا عقلا أن يُزج بالعقل في موضوع لا يُدركه مباشرة و لا يعرفه بآثاره. و لا يصح أن يتقدم في الكلام عن موضوع يُوجد من هو أسبق منه بمعرفته و الكلام فيه بحق و بيقين.
فموضوع الصفات الإلهية مثلا، فإنه إذا كان في مقدور العقل أن يتكلم فيه بصفة عامة كإثبات كثير من صفات الكمال، و نفي كثير من صفات النقص بناءً على مظاهر الطبيعة، فإنه لن يستطيع أن يخوض في كل الصفات بحق و يقين. و لا يحق له عقلا و لا شرعا أن ينفي صفات أثبتها الله تعالى لنفسه. و هذا يعني أن الشرع هو الوحيد الذي يستطيع أن يتكلم فيها بحق و يقين، و هو الأولى من غيره بأن يتكلم فيها من جهة؛ و لا يصح للعقل أن يتقدمه و لا أن يُزاحمه، و لا أن يُساوي نفسه به في الكلام فيها من جهة أخرى. فمن جعل عقله ندا للشرع، أو مُزاحما له، أو قدّمه عليه، فهو جاهل مُتبع لهواه، و مخالف للعقل و الشرع معا. و هذا هو حال المعتزلة في موقفهم من الصفات الإلهية.
و من انحرافاتهم الاستدلالية في تعاملهم مع آيات الصفات أنهم يُقدمون مذهبهم عليها، ثم يتسلطون به على النصوص التي يرون فيها إمكانية تأويلها، فيُؤّلونها تأويلا تحريفيا، و يُغفلون النصوص التي تخالفهم و لا يستطيعون تأويلها. و إن كانت تلك النصوص أحاديث نبوية فيأخذون بها إن كانت في صالحهم حتى و إن لم تكن صحيحة. و إن كانت تخالفهم أوّلوها تأويلا فاسدا، أو أنكروها بدعوى أنها اخبار آحاد.
و ثالثا فقد اتضح أن حقيقة موقف المعتزلة من الصفات الإلهية هو نفيها و تعطيلها، لكنهم تظاهروا بإثبات بعض الصفات إثباتا شكليا صوريا مُتناقضا لا حقيقة فيه، كقولهم: عالم بلا علم، و قادر بلا قدرة، و سميع بلا سمع. و أوّلوا صفات أخرى تأويلا تحريفيا كموقفهم من الاستواء و اليد، فنفوهما و عوّضوهما بصفتين أخريين لا يصح أن تكونا عوضا عنهما.
و قد لاحظتُ على بعض المعتزلة أنهم يستشهدون على موقفهم من الصفات بقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ} الشورى 11 - ،من دون إكمال الآية {وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} الشورى 11 - . من ذلك قول القاضي عبد الجبار: ((