و الاختيار، و مُسيّر و مُخيّر. فهو عندما يفعل من جهة مجاله المُخير فيه يعمل بحرية لكنه لا يخلق شيئا، و إنما يعمل و يكسب، و يصنع و يفعل حقيقة، و لا يصح وصف عمله هذا بأنه خلق، و أنه خالق لأفعاله. فإثبات حرية الإنسان و قدرته على الفعل و التأثير أمر طبيعي فطري بديهي يحسه كل إنسان من نفسه، و يُمارسه عمليا حتى و إن أنكره بلسانه لغاية في نفسه. لأن حياته لن تستقيم دون ممارسته للجانب المُسيّر فيه. و لهذا فإثبات ذلك لا يحتاج أبدا إلى القول بمقالة المعتزلة بأن الإنسان يخلق أفعاله. فهذه مقولة لا تصح، و لا مبرر لها شرعا و لا عقلا و لا ممارسة.
نُخصص هذا المطلب لعرض موقف المعتزلة من قضيتي الهداية و الضلال، و خلود مرتكب الكبيرة في النار من جهة، و تبيان مخالفة موقفهم هذا للوحي الصحيح و العقل الصريح من جهة أخرى.
فبالنسبة لموضوع الهداية و الضلال، فقد أجمع المعتزلة على أن الله تعالى (( لا يحول بين أحد و بين ما أمر به بوجه من الوجوه ) ) [1] . و اختلفوا في: هل يُقال: إن الله سبحانه قويّ الكافر على الكفر أم لا؟. فقال أكثرهم: (( لا يجوز أن يُقال: إن الله قويّ أحدا على الكفر، و أقدره عليه ) ) [2] . و ذكر أبو الحسن الأشعري أن المعتزلة امتنعت أن تقول: (( إن الله سبحانه أضل عن الدين أحدا من خلقه ) ) [3] . و قال المُحسن الجشمي: (( والذي لا يجوز على الله تعالى ويختص بالكلام فيه الإضلال عن الدين ) ) [4] .
و ذكر القاضي عبد الجبار أن المعتزلة ردوا على المجبرة القائلين بالجبر في الإيمان و الكفر بقولهم: (( فعلى هذا الوجه ألزموهم ذلك فقالوا لهم: أليس أنه تعالى لو منع من الإيمان، لوجب أن يوصف بأنه صرف عنه و صد عنه، و إذا فعل فيه ضد الإيمان، يوصف بأنه اضطره إلى أن لا يؤمن فيجب أن يقولوا أيضا بأنه أجبره على الكفر ) ) [5] .
(1) أبو القاسم البلخي، و القاضي عبد الجبار، و الحاكم الجشمي: فضل الاعتزال و طبقات المعتزلة، ص: 64.
(2) الأشعري: مقالات الإسلاميين، ج 1 ص: 307.
(3) نفس المصدر، ج 1 ص: 326.
(4) المحسن بن كرامة الجشمي: تحكيم العقول في تصحيح الأصول، ص: 96.
(5) أبو القاسم البلخي، و القاضي عبد الجبار، و الحاكم الجشمي: فضل الاعتزال و طبقات المعتزلة، ص: 199.