فهرس الكتاب
الصفحة 184 من 218

موقفه من الصفات الإلهية في نفيه لها. فماذا بقي من مذهب المعتزلة كمذهب له أصوله و نسقه الذي يجمعه؟؟!!، إنه لم يبق من ذلك شيء، و إنما بقيت بعض الأفكار الصحيحة مبعثرة هنا و هناك من دون رباط مذهبي معتزلي يجمعها!!. فما هي الأسباب التي أوقعت المعتزلة في كل ذلك؟؟.

ثانيا: أسباب جناية المعتزلة على العقل و الشرع:

يُمكن إرجاع أسباب كثرة انحرافات و جنايات المعتزلة على الشرع و العقل إلى أسباب مباشرة، و أخرى غير مباشرة. فالمباشرة أولها يتمثل في الظروف التي نشأ فيها مذهب المعتزلة و طبيعة نشأته. فهو في الحقيقة لم يكن مذهبا علميا أفرزته ظروف علمية، جعلته ينشأ نشأة علمية طبيعية عادية في جو علمي بين أهل العلم، و إنما هو في أصله كان رد فعل من المعتزلة لواقع اجتماعي و سياسي ومذهبي تتنازعه قضايا و أفكار متناقضة و مُتصارعة. و قد كان للعامل السياسي دور كبير في نشأة ذلك الواقع و توجيهه. و هذا قد ذكره المعتزلة في كتبهم من أن ملوك بني أمية هم الذين نشروا الجبر بين الناس و حكموهم به، فأدى هذا إلى ظهور القدرية كرد فعل لذلك [1] . فكان ظهور مذهبهم رد فعل لتلك الظروف، ثم تحوّل بعد ذلك إلى مذهب فكري عقدي بتفاعله مع ظروفه التي كانت سببا في ظهوره، و بتأثره بالفرق المذهبية التي سبقته في الظهور، و ساهمت في نشأته و تكوّنه، كالجهمية، و القدرية، و الجبرية، و الشيعة.

و الثاني يتعلق بالنوايا، فالظاهر من أقوال و مواقف مؤسسي مذهب المعتزلة أن نواياهم لم يكن هدفها البحث عن الموقف الصحيح -شرعا و عقلا - من القضايا الفكرية التي نتجت عن الصراعات السياسية و الاجتماعية بين الفرق المتنازعة من جهة، و بينها و بين الدولة الأموية من جهة أخرى. و إنما كانت نواياهم هي الانتصار لآرائهم بأي طريقة كانت، و لم تكن البحث عن الموقف الصحيح من القضايا التي بحثوا فيها.

و السبب الثالث- من الأسباب المباشرة- يتمثل في أنه لم يكن للمعتزلة منهج صحيح في الفهم و البحث و الاستدلال، يتعاملون به مع القضايا المُثارة في مجتمعهم. فكان لهذا العامل تأثير كبير في كثرة أخطائهم و جناياتهم و انحرافاتهم المنهجية.

(1) أبو القاسم البلخي، و القاضي عبد الجبار، و الحاكم الجشمي: فضل الاعتزال و طبقات المعتزلة،، ص: 143 و ما بعدها.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام