فهرس الكتاب
الصفحة 122 من 218

أولا: خطأ المعتزلة في تقديم آرائهم على الشرع و العقل:

أظهر المعتزلة تقديم آرائهم و أهوائهم على الشرع الصحيح و العقل الصريح بصراحة، و عبّروا عن ذلك بأقوالهم و أفعالهم. فألبسوها ثوب العقل و العقلانية، و قدموها على الوحي الصحيح طلبا لليقين و تخلصا من الظن حسب زعمهم. فخالفوا بذلك الشرع و العقل و جنوا عليهما جناية كبرى أخرجتهم من الطريق المستقيم، و أوردتهم المهالك!!. فما تفاصيل ذلك؟ و ما هي الشواهد الشرعية و العقلية التي تُجرّمهم فيما فعلوه؟؟!!.

إجابة عن ذلك نورد الشواهد الآتية عرضا و نقدا، أولها مفاده أن أبا الحسن الأشعري ذكر أن المعتزلة أجمعوا على أن (( الناس محجوجون بعقولهم: من بلغه خبر الرسول، و من لم يبلغه ) ) [1] .

و أقول: نعم إن العقل الفطري حجة، و الإنسان محجوج به في معظم مجالات حياته، لهذا جعله الشرع الحكيم مناط التكليف، و رفع القلم عمن فقده، و قد مدحه الشرع كثيرا، و جعل أصحابه من أولي الألباب. لكن لا يصح جعل الإنسان محجوجا بعقله عند غياب الدين الإلهي الحق، أو عدم معرفته به، بحيث يكون الإنسان مُكلفا مسؤولا عن أعماله و يُحاسب عليها يوم القيامة في غياب وجود الوحي الحق، أو عدم سماعه به. ففي هذه الحالة لا يصح عقلا و لا شرعا جعل الإنسان محجوجا بعقله تجاه دين الله الحق.

فأما عقلا فإن الإنسان لا يستطيع أن يعرف بيقين من أين جاء إلى الدنيا؟ و لا لماذا خُلق؟، و لا ما هو المصير النهائي الذي ينتظره؟. فالعقل هنا لن يستطيع أن يُقدم إجابة صحيحة يقينية، و لهذا اختلف البشر قديما و حديثا في الإجابة عن تلك التساؤلات، فمنهم المؤمن بدين بلا آخرة، و منهم المؤمن بدين فيه آخرة، و منهم الملحد، و منهم اللاأدري المُرتاب. فالعقل هنا لا يُمكنه أن يصدر حكما يقينيا في الموضوع، و من ثم لا يحق له أن يفرض على الإنسان بأن يكون مؤمنا طائعا لخالقه، و لا أن لا يكون كذلك. و عليه لا يُمكن أن يكون الإنسان محجوجا بعقله في هذه القضية، و لا أحد يستطيع أن يعرف ذلك و يفرضه إلا الخالق عز وجل، لأنه هو الذي خلق الإنسان و يعرف لماذا خلقه.

(1) الأشعري: مقالات الإسلاميين، ج 1 ص: 296.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام