فهرس الكتاب
الصفحة 60 من 218

من جهة. و هي عمل تأويلي تحريفي ينتهي بصاحبه إلى تشبيه الله بصفات المخلوقين أو المعدومين، و نفي ما وصف الله تعالى به نفسه من جهة ثانية. و هي في النهاية لا ترفع إشكالا، و لا تناقضا، و لا تقدم حلا صحيحا للمشكلة التي توهمها المُؤوّل، و تجعله يدور في حلقة مُفرغة من جهة ثالثة. لأنه مثلا عندما أوّل المعتزلة صفة اليد بالنعمة، فهم قد نفوا عن الله ما وصف به نفسه، و وصفوه بصفة أخرى هي النعمة، و هي صفة يتصف بها الإنسان. و نفس الأمر حدث عندما أولوا الاستواء على العرش بالاستيلاء، فنفوا صفة كمال أثبتها الله تعالى لنفسه، ثم وصفوه بصفة أخرى هي صفة نقص في حق الله تعالى، و هي أيضا صفة يتصف بها الإنسان.

فواضح من ذلك أن تأويلات المحرفين لآيات الصفات قامت أساسا على مخالفة قواعد التنزيه الشرعية من جهة، و على مخالفة النص نفسه، بتحميله ما لا يحتمل و إخراجه من سياقه، و التسلط عليه بتفسيرات فاسدة من جهة أخرى. و عليه فإنه يجب التوقف عن الخوض في موضوع الصفات الإلهية، لأن الشرع حسم الأمر، و لا يصح الخوض فيها شرعا و لا عقلا. و من يُصر على الخوض فيه، فهو إما أنه إنسان جاهل، أو أنه مريض، أو أنه صاحب هوي يفعل ذلك لغايات في نفسه.

و أخيرا - رابعا - قد تبين أنه ليس في الشرع تشبيه، و إنما المعتزلة هم المُشبهة، لأنهم نظروا إلى تلك الصفات بنظرة تشبيهة كنظرتهم إلى صفات المخلوق، و لم ينظروا إليها إنطلاقا من قواعد التزيه الشرعية، و لا من نظرة العقل الصريح في موقفه من الله تعالى بذاته و صفاته التي تُثبت له عدم مماثلته لمخلوقاته. فنظروا إليها بمنظور التشبيه، و أوّلوها بنفس المنظور فانطقلوا من التشبيه و عادوا إليه. فما سبب ذلك؟؟. إن السبب الأساسي الذي أوقعهم في التشبيه و التحريف يتمثل في أمرين: الأول عدم أخذهم و التزامهم بالمعنى الشرعي الصحيح لمعنى التنزيه و التشبيه في مجال الصفات الإلهية. و الثاني أخذهم بالتأويل التحريفي في موقفهم من الصفات، و تركهم لمعناه الصحيح كما سبق أن بيناه.

ثالثا: استنتاجات من جناية المعتزلة على العقل و الشرع في الصفات

نُخصص هذا المبحث لتجميع و إبراز أهم الاستنتاجات التي تضمنها المبحثان السابقان، نوردها في النقاط المركزة الآتية:

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام