و استنتاجا مما ذكرناه يتبين أن المعتزلة كانوا أصحاب منهج مُنحرف قاصر لا يصلح أساسا للفهم الصحيح، و لا للبحث و الاستدلال، أقاموه على آرائهم و أهوائهم و خلفيتهم المذهبية، أكثر مما أقاموه على الشرع الصحيح و العقل الصريح بفارق كبير جدا.
و أُشير هنا إلى أم هام جدا مفاده أن انحراف المعتزلة عن المنهج الصحيح في مجال الفهم و البحث و الاستدلال، قد أشار إليه بعض علماء الإسلام قديما، أشاروا إليه في صدد ردودهم على الجهمية و المعتزلة معا في تحريفاتهم للشرع و تأويلاتهم الفاسدة له. أذكر منهم اثنين: الأول هو الإمام أحمد بن حنبل (ق: 3 هـ) ، من كلامه في نقد هؤلاء قوله: (( الذين عقدوا ألوية البدعة وأطلقوا عنان الفتنة، فهم مختلفون في الكتاب مخالفون للكتاب مجمعون على مفارقة الكتاب. يقولون على الله وفي الله وفي كتاب الله بغير علم، يتكلمون بالمتشابه من الكلام ويخدعون جُهال الناس بما يشبهون عليهم فنعوذ بالله من فتنة المضلين ) ) [1] .
و الثاني هو الفقيه ابن بطة العكبري البغدادي (ق: 4 هـ) ، انتقدهم بقوله: (( و لكن قلوب الجهمية في أكنة، وعلى أبصارهم غشاوة، فلا يعرفون من الكتاب إلا ما تشابه، ولا يقبلون من الحديث إلا ما ضعف وأشكل ... والجهمي يقصد لما كانت هذه سبيله، فيتأوله على المعنى الذي يوافق هواه، ولا يجعل له وجها غيره، والله يكذبه ويرد عليه هواه ) ) [2] .
اُخصص هذا المبحث لعرض طريقة المعتزلة في تعاملهم مع الأحاديث النبوية و الأخبار التاريخية، من جهة صحتها و ضعفها. فهل حققوها في مواقفهم منها؟، و هل نقدوها إسنادا و متنا أم من جهة واحد فقط؟،و هل كانوا أصحاب منهج في نقد الأخبار و التزموا به في تحقيقها، أم لم يكونوا كذلك؟؟. هذا ما سيتبين من خلال المطالب الآتية:
(أ) نماذج من تعامل المعتزلة مع الأحاديث النبوية:
ليتبين لنا منهج تعامل المعتزلة مع الأحاديث النبوية من جهة صحة ثبوت نسبتها إلى النبي- عليه الصلاة و السلام- من عدم ثبوتها، نورد هنا
(1) ابن قيم الجوزية: اعلام الموقعين عن رب العالمين، حققه عبد الرؤوف سعد، مكتبة الكليات الأزهرية، القاهرة، 1967، ج 1 ص: 9.
(2) ابن بطة العكبري: الإبانة الكبرى، رقم الحديث: 2389 ج 5 ص: 476.