فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً النساء 65 - ،و {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} الحجرات 1 - . و من جهة أخرى لا يغيب عنه الفهم الصحيح لموضوع الصفات، و القضاء و القدر، و الهداية و الضلال، فهي أمور واضحة في الشرع تتطلب الإخلاص والفهم الصحيح لها. فلما كان في هؤلاء المعتزلة قلة تقوى و التزام، و ضعف إيمان و إخلاص، و قلة علم بدين الإسلام، جرفتهم ظروفهم التي ظهروا فيها، و تعاملوا معها بطريقة مخالفة للشرع و العقل معا في أكثر أصولهم.
و ربما يرى بعض الناس أن من الأسباب الأساسية في انحراف المعتزلة و كثرة أخطائهم و جرائمهم في حق الشرع و العقل هو علم الكلام الذي تعاطوه و تعصبوا له، و تميزوا به.
و أقول: هذا السبب يكون صحيحا إذا نظرنا إلى علم الكلام المعتزلي على أنه علم خاص بهم، و بنوا عليه أصولهم و فروعهم. و بمعنى آخر أنه علم كلام معتزلي و ليس هو علم الكلام مُطلقا. لأن الذي أفسد المعتزلة و مذهبهم هو الفكر الفاسد الذي آمنوا به و ضمنوه مذهبهم، و ليس لأنهم مارسوا علم الكلام لمجرد انه كلام خاضوا به في قضايا أصول الدين و الإيمان، و إنما أيضا لأن الغالب عليه أنه كلام فاسد مُنطلقا و منهجا و نتيجة. فعلم الكلام وسيلة يُمكن أن نُعبّر به عن مذاهب صحيحة، و يُمكن أن نعبر به عن مذاهب فاسدة. و هو من نعم الله تعالى على عباده و بدونه لا توجد علوم، فلا علوم دون كلام و جدال و مناظرات. فكل العلوم وُجد فيها ذلك.
و بناءً على ما ذكرناه يتبين جليا أن الذي أنشأ مذهب المعتزلة - في معظم أصوله- و صاغه و صبغه بخصائصه، ليس هو الشرع الصحيح، و لا العقل الصريح، و إنما ظروفهم و آراؤهم و أهواؤهم هي التي صنعت مذهبهم و صبغته بخصائصهم: مُنطلقا و منهجا و نتيجة من جهة؛ و هي التي كانت أسبابا فيما حدث لهم و لمذهبهم من أخطاء و انحرافات أفسدت مذهبهم و ارتكبت جنايات كثيرة في حق الشرع و العقل من جهة أخرى.
نُفرد هذا المبحث لعرض طائفة من الاعتراضات و المواقف المُدافعة عن المعتزلة: جماعة و مذهبا و مكانة، قالها بعض أهل العلم، أو ربما