فهرس الكتاب
الصفحة 174 من 218

ذكرناه و قررناه في حق المعتزلة، ثم أُعقّب عليها بردود مُركزة، و بالله التوفيق.

أولا: آثار واستنتاجات من جناية المعتزلة على العقل و الشرع:

تبين من كتابنا هذا أن جنايات المعتزلة على العقل و الوحي كانت جسيمة، و متنوعة، و كثيرة. فما هي أهم الآثار التي ترتبت عن ذلك؟، و ما هي أهم الاستنتاجات التي يُمكن الخروج بها من عرضنا لتلك الجنايات؟.

أولا إنه إذا كان تبين بالأدلة القاطعة أن المعتزلة ارتكبوا جرائم في حق العقل و الشرع، فإنهم في الحقيقة قد جنوا على أنفسهم أولا، و ذهبوا ضحيتها، و أفسدوا بها أفكارهم و سلوكياتهم ثانيا. و أدخلوا عقولهم في محنة كبيرة لم يقدروا على الخروج منها، فأرهقتهم و أرقتهم، و أوردتهم المهالك و أذهبت جهودهم و أوقاتهم عبثا.

و من مظاهر تلك المحنة أن العقل المعتزلي أصبح متناقضا مع نفسه؛

فيقول عن نفسه مثلا: إنه مسلم يتبع الشرع، ثم يعود و يُخالفه ويتقدم عليه. و يُظهر أنه يُثبت الصفات، ثم ينفي معانيها، و يجعلها مجرد ألفاظ جوفاء. و هذا تناقض صريح، لأنه يجمع بين إثبات صفات محددة ثم نفيها في نفس الوقت. و هذا موقف ظاهر البطلان، و تصوّره يكفي وحده لإبطاله.

و من تلك المظاهر أيضا أنه تبين أن قول المعتزلة بالتوحيد، ثم نفي الصفات عن الله تعالى يُوصلهم بالضرورة إلى تشبيهه بالمعدومات من جهة، و نفي وجوده من جهة أخرى. لأن الكائن الذي لا صفة له يعني أنه غير موجود، لأن الموجود لابد له من صفات، و إلا فهو غير موجود.

و منها إنهم قالوا: إن الله موجود متصف بصفات كالقدرة و الحياة، و العلم؛ ثم قالوا: إنه ليس له مكان، و لا هو مُتحرك ولا ساكن. و هذا مخالف للعقل و الشرع معا. لأن الموجود الذي لا مكان له، و لا هو متحرك و لا ساكن يعني أنه غير موجود من جهة، و لا يُمكن تصوّره عقليا من جهة أخرى. فواضح من ذلك أن المعتزلة أدخلوا عقولهم في مِحن و جنايات لا مخرج لهم منها إلا من خارج مذهبهم. و بما أنهم أصروا على مذهبهم، فقد وجدوا أنفسهم في محنة مع العقل و الشرع و العلم في أكثر أصولهم.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام