فهرس الكتاب
الصفحة 175 من 218

و ثانيا لقد تبين بالأدلة الدامغة أن المعتزلة كانوا خصوما للعقل الصريح، و الشرع الصحيح و العلم الصحيح، أكثر مما كانوا مُنتصرين لهم بفارق كبير، و هذه هي مأساة المعتزلة مع أنفسهم و مذهبهم. إنهم تحدثوا بالعقل ضد العقل، و تكلموا بالشرع ضد الشرع. و تظاهروا بالعقل انتصارا لآرائهم و أهوائهم و ظنونهم، و ليس انتصارا له و لا للشرع. فغلوهم في العقل لم يكن من أجله، و لا بأمره، و إنما كان من أجل مذهبهم على حساب حقائق العقل و الوحي. إنهم في الحقيقة قاموا بعملية اغتيال و استحواذ و مصادرة للعقل و الشرع معا.

و ثالثا فقد اتضح جليا أن المعتزلة أظهروا حِرصين متناقضين: الأول إظهار حرصهم على التوحيد حتى تسموا به، و الثاني حرصهم على مخالفة التوحيد الشرعي!!. فنقضوا توحيدهم الأول، و وقعوا في الشرك الذي فروا منه بقصد أو بغير قصد. فقالوا: إن البشر يخلقون أفعالهم، فجعلوا الإنسان خالقا، و الله تعالى يقول: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} الزمر 62 - ،و {قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُم مِّن دُونِهِ أَوْلِيَاء لاَ يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلّهِ شُرَكَاء خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} الرعد 16 - . و عظموا توحيد الله و نقضوه عندما تقدموا على الله تعالى و شرعه بأهوائهم و ظنونهم و سموها عقلا، و العقل منهم براء. و قالوا: إنهم يُنزهون الله عن النقائص فعطلوه، و وصفوه بصفات المخلوقات و المعدومات. و قالوا: إنهم يُعضمون التوحيد و يهتمون به، لكنهم اعترضوا على الله تعالى عندما تكلم عن نفسه بنفسه، و وصفها بالصفات المذكورة في الشرع، فردوها و هجموا عليها بالتأويلات الفاسدة. بمعنى أنهم قالوا له: نحن أعلم بصفاتك من علمك أنت بصفاتك. و هذا جهل كبير، و غرور ما فوقه غرور. و هم و إن لم يقولوا ذلك صراحة، فقد أشاروا إليه تلميحا في كثير من أقوالهم من جهة، و طبقوه عمليا عن سبق إصرار و ترصد من جهة أخرى.

و رابعا فقد اتضح من موقف المعتزلة من الصفات الإلهية أنهم أفسدوا مفهوم التشبيه الذي حدده الشرع و اللغة العربية الموافقة له، و الذي قال به أهل السنة من السلف و أهل الحديث. و هو مأخوذ من قوله تعالى:

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام