فهرس الكتاب
الصفحة 176 من 218

لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ الشورى 11 - . فهو تعريف يقوم على إثبات الصفات التي أثبتها الله تعالى لنفسه، مع نفي مماثلتها لصفات مخلوقاته. و هذا المعنى عبّر عنه أهل السنة بقولهم: إن التشبيه هو أن يقول المشبه: يد الله كيدي، و وجهه كوجهي. و أما إثبات يد ليست كالأيدي، و سمع ليس كالأسماع، و بصر ليس كالأبصار، و وجه ليس كالوجوه، فهو إثبات لصفات ذات ليست كالذوات، و من ثم فلا يعد هذا تشبيها، و هو المسلك الصحيح و ما عداه فهو التعطيل المحض، و التناقض الذي لا يثبت لصاحبه قدم في النفي، و لا في الإثبات [1] . فجاء هؤلاء المعتزلة و غيروا معناه، و ألتبس الأمر على الناس فجعلوا التشبيه هو إثبات الصفات لله تعالى، و التنزيه هو نفيها. و هذا تحريف و جريمة شرعية و علمية أفسدت المعنى، و غيرت المفهوم، و أخلطت الأمر. فبعدما كان الناس يعرفون المشبهة بأنهم هم الذين يُشبهون الله تعالى بمخلوقاته، أصبحوا يسمعون و يرون المعتزلة يسمون من يُخالفهم في الصفات بأنهم مُشبهة. فأصبح أهل السنة حسب زعمهم مُشبهة، كالمشبهة المعروفين بتشبيه صفات الله بصفات مخلوقاته. و نسوا أنفسهم أنهم هم المُشبهة من جهتين: إنهم مُشبهة الأفعال، و شبهوا خالقهم بالجماد و المعدوم في موقفهم من الحركة من جهة، و في نفيهم للصفات، لأن المعدوم هو الذي لاصفات له، بحكم أنه غير موجود. فهم بموقفهم من الصفات قد جمعوا بين التشبيه و النفي و التعطيل، و التأويل الفاسد.

و تبين من موقفهم من الصفات الإلهية، أنهم نفوها بطريقة تضليلية تلبيسية تغليطية، و لم يُفصحوا عن موقفهم منها بطريقة واضحة لا لُبس فيها. فهم مع نفيهم لها، و جدناهم يتظاهرون بإثبات بعضها، و بتأويل أخرى، و مرة يقولون: إنها عين الذات، و مرة أنه تعالى له صفة بلا صفة، فهو قادر بلا قدرة، و عالم بلا علم، و هكذا!!.

و اتضح أيضا أن المعتزلة كما أنهم خالفوا الشرع الصحيح في نفيهم للصفات التي أثبتها الله تعالى لنفسه، و لا يصح لهم الاعتراض فيها عليه، و لا رفضها و لا تحريفها، فإنه قد أثبتنا من جهة أخرى أن المعتزلة أقاموا موقفهم من الصفات على مخالفة العقل البديهي مخالفة صريحة

(1) أنظر مثلا: ابن قيم الجوزي: الصواعق المرسلة ج 1 ص: 55.و الروح، حققه محمد اسكندر يلدا ط 1 بيروت، دار الكتب العلمية، 1982، ص:354.و ابن عقيل: الرد على الأشاعرة العزال ص: 68 .. و ابن الجوزي: تلبيس إبليس ص: 29.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام