الرجل بأن الله تعالى رزق العاصي من جهة أنه مكّنه من التوصل إلى المنافع بالطرق المباحة، لأن هذا ليس تمكينا، و إنما هو توضيح منه سبحانه للطريق الصحيح الذي يُوصل إلى الرزق الحلال، و خلافه يُوصل للرزق الحرام. و التمكين للمؤمنين و الكفار لا يتم إلا بالعمل و موافقة المشيئة الإلهية عليه، و لهذا كم من مؤمن طلب الرزق الحلال و لم يصل إليه؛ و كم من كافر طلب الرزق الحرام و لم يصل إليه؛ و العكس صحيح.
و إنهاءً لهذا المبحث يُستنج منه أن المعتزلة وقعوا في أخطاء فاحشة تتعلق بموضوع القضاء و القدر و المشيئة الإلهية، وقعوا فيها بسبب خلفيتهم الاعتزالية الفاسدة في موقفهم النافي للصفات الإلهية. فأخطؤوا عندما لم يُفرّقوا بين إرادة الله الكونية المهيمنة على العالم كله، و بين إرادته الشرعية المُتعلقة بأوامره و نواهيه. فأوصلهم ذلك إلى إنكار دخول قبائح البشر في قضاء الله و قدره و مشيئته، فخالفوا الشرع مخالفة صريحة، و أدخلوا في مخلوقات الله ما لم يشأه. و تبين أيضا أن القوم لم يفهموا موضوع القضاء و القدر فهما صحيحا كما ورد في الشرع، و لا كما يقوله العقل الصريح، و إنما فهموه فهما معوجا مُنحرفا أقاموه على كثير من التغليط و التلبيس و المبالغات، فكَثُرت أخطاؤهم و جنوا بها على مذهبهم، و على الشرع و العقل معا.
لاشك أن أفعال العباد مخلوقة، بحكم أنهم مخلوقون، فلا يُمكن أن يكون الإنسان مخلوقا و أفعاله غير مخلوقة، فهذا أمر بديهي. لكن من هو خالقها، أهي من خلق الله تعالى، أم هي من خلق الإنسان؟؟. قال أهل السنة: إن أفعال العباد هي من خلق الله تعالى [1] . فخالفهم المعتزلة وقالوا: بل إن العباد هو الذين خلقوها.
و تفصيل ذلك أن أبا الحسن الأشعري ذكر أن المعتزلة أجمعت على (( أن الله سبحانه لم يخلق الكفر والمعاصي، ولا شيئاً من أفعال غيره، إلا رجلاً منهم فإنه زعم أن الله خلقها بأن خلق أسماءها وأحكامها، حُكي ذلك عن صالح قبة. ) ) [2] .
(1) للبخاري كتاب خلق أفعال العباد شرح فيه موقف أهل السنة، و احتج له بالنصوص الشرعية، و رد على مُخالفيهم.
(2) الأشعري: مقالات الإسلاميين، ج 1 ص: 298.