و نص القاضي عبد الجبار على أن أفعال العباد ليست من خلق الله، و إنما هي واقعة حادثة من جهة العباد [1] . و قال المُحسن الجشي المعتزلي: (( مسألة في خلق الأفعال: الخلاف فيه من ثلاثة أوجه: الأول: مذهب أهل العدل، فإن أفعال العباد فعلهم حادثة من جهتهم ليست بخلق لله تعالى. والثاني: مذهب جهم أنها خلق الله تعالى لا تأثير للعبد فيها، وإنما نسبت إلى العبد كما ينسب إليه طوله وقصره، وحركة الشجر إلى الشجر. والثالث: مذهب النجارية والكلابية أنها خلق الله تعالى كسب للعبد. ) ) [2] . و قال أيضا: (( وسأل شيخنا أبو علي - وهو بعد حدثٌ - بعض المجبرة فقال: أليس الله تعالى خلق العدل؟. قال: بلى. قال: أنسميه عادلاً؟. قال: نعم. قال: فهل خلق الظلم؟. قال: نعم. قال: فنسميه ظالماً؟. قال: هذا لا يجب. قال: فما أنكرت ممن يقول لا نسمي بفعل العدل عادلا، فانقطع ) ) [3] .
و قال الزمخشري: (( فإن قلت: بِمَ علمت أن غير الله يكون مُحدِثًا لبعض الأفعال؟. قلت: علمته باضطرار؛ لأن العقلاء عندهم علم ضروري بحسن مدح المحسن وذم المسيء، ولم يكن علمهم بذلك ضروريا حتى يكون علمهم بكونهما فاعلين ضروريا؛ لأن هذا العلم فرع على ذلك العلم؛ ولأن الفاعل هو الذي يفعل الفعل بِدَاعٍ ويتركه بصارِفٍ, وكلُّ أحدٍ يجد نفسه بهذه الصفة؛ ولأن في أفعال الخلق ما هو قبائح: كالكفر، والظلم، والكذب، والافتراء على الله تعالى، وتكذيب الرسل وقتلهم وغير ذلك. والحكيم الغني العالم بقبحها، العالم بغناه عنها متعال أن يفعلها أو يريدها أو يرضاها أو يأمر بها علوًّا كبيرًا؛ ولأن الله أمر بالخير و وعد عليه الثواب العظيم، ونهى عن الشر وأوعد عليه العذاب الشديد، وأرسل بذلك الرسل، وأنزل الكتب، وأقام الحجج، فلو كانت هذه أفعاله لكان ذلك عبثا وخروجا عن الحكمة ) ) [4] .
و أقول: أولا إن قول المعتزلة بأن العباد يخلقون أفعالهم، هو قول لا يصح عقلا و لا شرعا و لا واقعا. فأما عقلا و واقعا فإن الثابت قطعا أن الإنسان مخلوق، و بما أنه كذلك فأفعاله هي أيضا مخلوقة بالضرورة
(1) القاضي عبد الجبار: المختصر في أصول الدين، ص: 238.
(2) المحسن بن كرامة الجشمي: تحكيم العقول في تصحيح الأصول،، ص: 86.
(3) نفس المصدر، ص: 87 - 88.
(4) الزمخشري: المنهاج في أصول الدين، ص: 7.