فهرس الكتاب
الصفحة 123 من 218

فواضح من ذلك أن المعتزلة زجوا بالعقل في موضوع لا يستطيع الخوض فيه بيقين، و ليس من حقه أن يبت فيه، و لا أن يجعل الإنسان محجوجا بعقله في هذه القضية. فهم هنا تقدموا بآرائهم و ظنونهم و رغباتهم على العقل الصريح و الوحي الصحيح.

و أما شرعا فالأمر واضح لا لُبس فيه، من أن الله تعالى لم يجعل الإنسان محجوجا بعقله في علاقته بخالقه قبل ورود الشرع. قال سبحانه: {مَّنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} الإسراء 15 - ،و {رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزاً حَكِيماً} النساء 165 - .

فالمعتزلة أخطؤوا عندما جعلوا الإنسان محجوجا بعقله في علاقته بخالقه، فخالفوا ما يقوله العقل الصريح، و ما نص عليه الوحي الصحيح. فهم هنا في الحقيقة لم يتقدموا على الشرع الصحيح فقط، و إنما تقدموا أيضا على العقل البديهي، تقدموا عليهما ليس بالعقل كما يزعم المعتزلة و كثير من أهل العلم، و إنما هم في الحقيقة تقدموا عليهما بآرائهم و ظنونهم و أهوائهم من دون دليل صحيح من العقل و لا من الوحي!!!.

و الشاهد الثاني مضمونه أن الخطيب البغدادي روى خبرا يتعلق بشيخ المعتزلة عمرو بن عبيد، فقال: (( أخبرنا أبو نعيم الحافظ قال: سمعت أبا عمرو عبد الوهاب بن محمد بن أحمد بن إبراهيم العسال يقول: سمعت أبي يقول: سمعت مسبح بن حاتم البصري يقول: سمعت عبيد الله بن معاذ العنبري يقول: سمعت أبي يقول: سمعت عمرو بن عبيد يقول و ذكر حديث الصادق المصدوق فقال: لو سمعت الأعمش يقول هذا لكذبته ولو سمعت زيد بن وهب يقول هذا ما أجبته، ولو سمعت عبد الله بن مسعود يقول هذا ما قبلته، ولو سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول هذا لرددته، ولو سمعت الله تعالى يقول هذا لقلت له: ليس على هذا أخذت ميثاقنا ) ) [1] .

و حديث الصادق المصدوق الذي رده شيخ المعتزلة عمرو بن عبيد، رواه البخاري و غيره، هذا نصه: قال البخاري: (( حدثنا الحسن بن

(1) الخطيب البغدادي: تاريخ بغداد، ج 2 ص: 170، ج 6 ص: 184. و ابن الجوزي: المنتظم، ج 8، ص: 44.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام