هي مأخوذة من تلك الفرق التي ذكرناها. فهي أصول باطلة أصلا عند أصحابها، فجمعها المعتزلة في مذهب واحد، كونوا بها مذهبا فاسدا في معظم أصوله!!.
و من تلك الأرضية ظهرت معهم نزعتهم العلمانية، فهي نزعة أقاموها على تقديم آرائهم و أهوائهم و ظنونهم على الشرع أولا. و استخدموا التأويل الفاسد لتحريف النصوص و جعلها تخدم نزعتهم العلمانية ثانيا. و أبعدوا الوحي من أن يتولى هو أولا صياغة أفكارهم و ما يترتب عنها من سلوكيات، و جعلوا آراءهم و أهواءهم هي التي تسبق الشرع في صياغة مذهبهم و ما يترتب عنه من أعمال في الواقع. و هذه العلمانية التي تبنوها لم تكن خاصة بهم فقط، و إنما كانت مُجزأة عند الفرق المنحرفة التي تأثر بها المعتزلة؛ فجمعوها و كونوا مذهبا علمانيا بدرجة أكبر مما كانت عليه عند تلك الفرق. فمذهب المعتزلة هو في أساسه مذهب علماني مُتدثر بالدين. لأن أي مذهب يُقدم آراءه و ظنونه و أهواءه على دين الله تعالى، ثم يتسلط عليه بالتأويلات الفاسدة، فهو مذهب علماني سواء أقر بذلك أتباعه أم لم يُقروا بذلك، و سواء قصدوا ذلك أم لم يقصدوه!!. لأن النتيجة في النهاية واحده، هي تقدم الإنسان على خالقه و تعطيل شرعه، و هذه جريمة كبرى شرعا و عقلا.
و أخيرا كانت تلك الاستنتاجات و الآثار هي من أهم السلبيات و الأخطاء و الانحرافات المنهجية التي جنى بها المعتزلة على الشرع و العقل. لكن هذا لا يعني أن القوم لا صواب و لا إيجابيات لهم، و إنما كتابنا هذا موضوعه جنايات المعتزلة على الوحي و الشرع، فلابد علينا أن نركز عليها دون الصحيح من فكرهم. و عليه فإنه لا شك أنه كانت للمعتزلة جوانب صحيحة من مذهبهم، هي بقدر ما وافقوا فيها الشرع و العقل، كقولهم بحدوث العالم، و إقرارهم بالنبوة، و تنزيههم للقرآن الكريم من التحريف.
لكن ذلك الصواب قليل بالمقارنة إلى كثرة أخطائهم و جرائمهم و انحرافاتهم من جهة، و أن تلك الجنايات من أخطاء و انحرافات أدت إلى تقويض مذهب المعتزلة و انهياره من جهة أخرى. فمذهبهم قد انهار و قوضّناه، و لا يُمكن أن تقوم له قائمة عندما نقضنا قوله بتقديم العقل على الشرع، و أبطلنا قوله بالتأويل التحريفي للنصوص الشرعية، و بينا فساد