فهرس الكتاب
الصفحة 183 من 218

هي مأخوذة من تلك الفرق التي ذكرناها. فهي أصول باطلة أصلا عند أصحابها، فجمعها المعتزلة في مذهب واحد، كونوا بها مذهبا فاسدا في معظم أصوله!!.

و من تلك الأرضية ظهرت معهم نزعتهم العلمانية، فهي نزعة أقاموها على تقديم آرائهم و أهوائهم و ظنونهم على الشرع أولا. و استخدموا التأويل الفاسد لتحريف النصوص و جعلها تخدم نزعتهم العلمانية ثانيا. و أبعدوا الوحي من أن يتولى هو أولا صياغة أفكارهم و ما يترتب عنها من سلوكيات، و جعلوا آراءهم و أهواءهم هي التي تسبق الشرع في صياغة مذهبهم و ما يترتب عنه من أعمال في الواقع. و هذه العلمانية التي تبنوها لم تكن خاصة بهم فقط، و إنما كانت مُجزأة عند الفرق المنحرفة التي تأثر بها المعتزلة؛ فجمعوها و كونوا مذهبا علمانيا بدرجة أكبر مما كانت عليه عند تلك الفرق. فمذهب المعتزلة هو في أساسه مذهب علماني مُتدثر بالدين. لأن أي مذهب يُقدم آراءه و ظنونه و أهواءه على دين الله تعالى، ثم يتسلط عليه بالتأويلات الفاسدة، فهو مذهب علماني سواء أقر بذلك أتباعه أم لم يُقروا بذلك، و سواء قصدوا ذلك أم لم يقصدوه!!. لأن النتيجة في النهاية واحده، هي تقدم الإنسان على خالقه و تعطيل شرعه، و هذه جريمة كبرى شرعا و عقلا.

و أخيرا كانت تلك الاستنتاجات و الآثار هي من أهم السلبيات و الأخطاء و الانحرافات المنهجية التي جنى بها المعتزلة على الشرع و العقل. لكن هذا لا يعني أن القوم لا صواب و لا إيجابيات لهم، و إنما كتابنا هذا موضوعه جنايات المعتزلة على الوحي و الشرع، فلابد علينا أن نركز عليها دون الصحيح من فكرهم. و عليه فإنه لا شك أنه كانت للمعتزلة جوانب صحيحة من مذهبهم، هي بقدر ما وافقوا فيها الشرع و العقل، كقولهم بحدوث العالم، و إقرارهم بالنبوة، و تنزيههم للقرآن الكريم من التحريف.

لكن ذلك الصواب قليل بالمقارنة إلى كثرة أخطائهم و جرائمهم و انحرافاتهم من جهة، و أن تلك الجنايات من أخطاء و انحرافات أدت إلى تقويض مذهب المعتزلة و انهياره من جهة أخرى. فمذهبهم قد انهار و قوضّناه، و لا يُمكن أن تقوم له قائمة عندما نقضنا قوله بتقديم العقل على الشرع، و أبطلنا قوله بالتأويل التحريفي للنصوص الشرعية، و بينا فساد

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام