فهرس الكتاب
الصفحة 182 من 218

القاضي عبد الجبار من أن المعتزلة و أمثالهم من المتكلمين كانوا يفعلون ذلك [1] .

و اتضح أن الاعتزال هو مذهب يفتقد في معظم أصوله إلى شرعية الوحي الصحيح و العقل الصريح. فلا شرعية له في تقديم آراء أتباعه و أهوائهم على الشرع و العقل. و لا شرعية له في نفيه للصفات الإلهية، و لا شرعية له في تبنيه للتأويل التحريفي و ممارسته في تعامله مع النصوص الشرعية.

و من ذلك أيضا أن المعتزلة افتروا بمذهبهم على العقل باسم العقل، وحرّفوا الشرع و اعتدوا عليه باسم العقل و الشرع. و سخّروا العقل و الوحي لخدمة أنفسهم و مذهبهم. و نصّبوا أنفسهم دعاة للعقل و حماة له، و هم في الحقيقة من ألد خصوم العقل و الوحي من حيث يدرون أو لا يدرون، فهذه هي الحقيقة، و نواياهم الله تعالى أعلم بها!!!. و من غرائبهم مع الشرع أنهم جمعوا بين التظاهر على الحرص و الغيرة عليه من جهة [2] ، و الاجتهاد في تحريفه و إفساده بتأويلاتهم التحريفية، و تقديم آرائهم و أهوائهم عليه من جهة أخرى!!.

و ثامنا فقد تبين أن المعتزلة أخذوا أصولهم المذهبية من مجتمعهم الذي ظهروا فيه. فمن الثابت تاريخيا أنهم ظهروا في زمن احتدم فيه الصراع بين الجبريين و القدريين و الجهميين في مطلع القرن الثاني الهجري [3] . فأخذوا بالتأويل الفاسد للنصوص الشرعية، لأنهم وجدوه مُستعملا لدي كل فرقة من تلك الفرق. لأن كلا منها وجد في هذا التأويل منهجه المفضل لتبرير مواقفه و انحرافاته عن الشرع. و قالوا بتقديم آرائهم و أهوائهم على الشرع، لأنهم وجدوه مُطبقا لدى تلك الفرق، لأن كلا منها قد تبنى مذهبه انطلاقا من مصالحه و ظنونه و ظروفه أولا، ثم بحث له عن مبررات من الشرع باستخدام التأويل التحريفي ثانيا. و قالوا بنفي الصفات الإلهية، و قد وجدوه عند الجهمية. و قالوا بموقفهم من القضاء و القدر و المشيئة الإلهية، و قد وجدوه عند القدرية. فأخذ المعتزلة هذه الأصول و بنوا عليها مذهبهم، ثم صاغوه و صبغوه بأسلوبهم و خصائصهم، و زادوا فيه أفكارا أخرى. فمعظم أصول المعتزلة ليست من عندهم، و إنما

(1) أبو القاسم البلخي، و القاضي عبد الجبار، و الحاكم الجشمي: فضل الاعتزال و طبقات المعتزلة، ص: 287.

(2) أنظر مثلا: الجاحظ: رسائل الجاحظ، ج 1 ص: 64.

(3) أنظر مثلا: الشهرستاني: الملل و النحل، ص: 56،و مابعدها، و 97 و ما بعدها. و الموسوعة العربية العالمية، مادة: الجبرية، القدرية، الجهمية.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام