و منها قول القاسم الرسي المعتزلي، ذكر أن من أقسام التوحيد هو (( الفرق بين الصفتين، حتى لا تصف القديم بصفة من صفات المُحدثين ) ) [1] .
و قوله هذا فيه تغليط و تلبيس، و يتضمن مفهوما غير صحيح لمعنى الإثبات و التنزيه، و مخالف أيضا للشرع الصحيح و العقل الصريح، و يُوقع في تناقض و انحراف كبير لا مخرج منهما. لأن الصواب في معنى قوله هو أن نقول: الفرق بين صفات الخالق و المخلوق، يكون بعدم تشبيه و تمثيل صفة كل منهما من جهة طبيعتها و حقيقتها، لأن صفة كل منهما تابعة لذاتها. و لا نقول كما قال الرجل:"حتى لا تصف القديم بصفة من صفات المُحدثين". فهذا كلام غير دقيق و لا يصح أيضا، لأن الخالق و المخلوق هناك صفات تجمعهما كصفات بالمعنى والاسم، و لا تختلف إلا من جهة طبيعتها و حقيقتها. فالله تعالى موجود، و سميع، و عالم، و قادر، و بصير؛ و الإنسان مثلا هو أيضا موجود، و سميع، و عالم، و قادر، و بصير. فنحن وصفنا كلا منهما بنفس الصفات من جهة الإثبات و الاسم، و الاختلاف يكمن في طبيعة و كنه صفات كل منهما التي هي تابعة لطبيعة الذات. و عليه فالصواب في إثبات الصفات يقوم على عدم المماثلة و عدم التسوية بين الخالق و المخلوق، و ليس على عدم وصف القديم بصفة من صفات المُحدثين كما زعم الرجل. و كلامنا هذا هو من بديهيات العقل و الشرع. قال سبحانه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} الشورى 11 - (( ليس كمثله ... ) )، و {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ} - سورة الإخلاص:1 - . فالله تعالى نفى أولا مماثلة مخلوقاته له في ذاته و صفاته، ثم أثبت لنفسه اتصافه بصفتي السمع و البصر على أساس التنزيه و عدم المماثلة، مع أنها من صفات الإنسان و الحيوان. فهذا هو المعنى الصحيح في الجمع بين الإثبات و التنزيه، و ليس قول القاسم الرسي الذي غالط به الناس، و خالف به الشرع و العقل معا.
و منها أيضا أنهم أكثروا الكلام عن التنزيه و نفي التشبيه، و أنهم أوّلوا الصفات فرارا من التجسيم و التشبيه و التكييف. لكنهم في الحقيقة انطلقوا من التشبيه و عادوا إليه!!. إنهم أوّلوا صفات وصف الله نفسه بها، فنفوها عنه أولا بدعوى التنزيه، و هذا لأنهم نظروا إليها بمنظار التشبيه لا
(1) القاسم الرسي: أصول العدل و التوحيد،: ضمن رسائل العدل و التوحيد، تحقيق محمد عمارة، ط 2، دار الشروق، القاهرة، 1988، ج 1، ص: 126.