و أقول: كلامهم هذا هو من تلاعباتهم و شقشقاتهم، و سفسطاتهم و تلبيساتهم. إنهم يجمعون النفي و الإثبات في الصفة الواحدة و هذا مستحيل. فهم يزعمون أن الله عالم بلا علم، و قادر بلا قدرة , .... . و معنى هذا أنه ليس عالما إذا لم يكن له علم، و ليس قادرا بما أنه بلا قدرة. و مثال ذلك إذا قلنا: فلان مصلٍ بلا صلاة. أو فلان كاتب بلا كتابة. أو فلان آكل بلا أكل. معنى ذلك أنه ليس مُصليا، و لا كاتبا، و لا آكلا،. و إنما عبرنا على عدم حدوث ذلك بتلك العبارات التي جمعت النفي و الإثبات في الصفة الواحدة من الناحية الظاهرية التي هي تناقض صريح صارخ، مع أن معناها الحقيقي هو النفي لا الإثبات.
فَهُم إما أن يُثبتوا لله تعالى الصفات التي تليق به، فهو إذن مُتصف بها حقيقة، و إما أن ينفوها عنه، فلا يصح وصفه بها، ثم نفيها عنه. و من جهة أخرى فهم بين أمرين لا ثالث لهما: الأول إن هم نفوها فهذا يوقعهم في مخالفة الشرع و العقل، و يتطلب منهم سحب قولهم بإثبات الصفات، و يُوصلهم إلى نفي وجود الله تعالى أصلا، لأن الكائن الذي لا صفات له، هو في الحقيقة غير موجود في الواقع، فهو معدوم، لأن المعدوم هو الذي لا صفات له. و الأمر الثاني إن هم أثبتوها، فهذا هو الصحيح الموافق للشرع و العقل بحكم أنه لا كائن دون صفات، و بما أن الله تعالى موجود فبالضرورة أنه مُتصف بصفات الكمال، لكنه موقف يتطلب منهم سحب قولهم بنفي الصفات، و ترك تلاعباتهم و مغالطاتهم، كقولهم: عالم بلا علم، و قادر بلا قدرة، و الصفات عين الذات، و العلم هو هو، و القدرة هي هو، و غيرها من الشقشقات و السفسطات.
و من مظاهر انحرافهم المنهجي في الصفات، أنهم يستخدمون التغليط و التلبيس لتمرير مقولاتهم و الانتصار لها. من ذلك قولهم: الصفات هي الذات، و الصفات عين الذات. ثم يعودون و ينفون أن تكون الصفات تُعبر عن معنى حقيقي [1] . و هذه مقولات باطلة، لأنه من البديهي أن الصفات ليست هي الذات، و هي تابعة لها بالضرورة، و لا ذات دون صفات، و لا صفات دون ذات.
(1) سبق توثيق ذلك في الفصل الأول.