فهرس الكتاب
الصفحة 142 من 218

التنزيه. ثم ثانيا نفوها عنه و وصفوه بصفات يتصف به البشر، كوصفهم له بالاستيلاء في تأويلهم الفاسد لصفة الاستواء!!.

و إنهم جعلوا كلام الله من مخلوقاته، مع أن الصحيح هو من كلامه لا من مخلوقاته، فهو من صفة الكلام الأزلية. فنفوا عنه هذا، و شبهوا كلامه بمخلوقاته.

و عندما أنكروا رؤية الله يوم القيامة و زعموا أنها مستحيلة في حق الله على أساس أن الرؤية تتطلب الجسمية و المقابلة ,و ... إلخ؛ فوقعوا في التشبيه و انطلقوا منه. فنسوا أو تناسوا أن هذا الموضوع لا يصح النظر إليه بهذا المنهج، لأن الأمر يتطلب النظر إليه بمنهج عدم المماثلة زمانا و مكانا و ذاتا.

فواضح مما ذكرناه أن هذا التناقض و التخبط في موضوع الصفات الإلهية سببه خطأ المعتزلة في مفهومهم لمعنى التنزيه و التشبيه من جهة. و انحرافهم عما قرره الشرع الصحيح و العقل الصريح في موضوع الصفات من جهة أخرى.

و النموذج الرابع - من مظاهر انحراف المعتزلة منهجيا- يتعلق بغلو إبراهيم النظّام المعتزلي في مدح الشك. فذكر الجاحظ أن النظّام قال: (( خَمْسُون شكّاً خيرٌ مِنْ يَقِينٍ واحد ) ) [1] .

و أقول: قوله هذا فيه باطل كثير و صواب قليل، و لا يصح قوله بهذا الطريقة، و هو شاهد على انحراف الرجل من جهة منهج البحث و الاستدلال. لأنه أولا إن اليقين هو الأصل و المطلوب و الغاية في العلم و الحياة، و الشك ليس غاية، و إنما هو وسيلة للوصول إلى اليقين إذا تعذر الوصول إليه بالبديهة، أو بالطرق غير المُعقدة. . فكيف إذن يصبح الشك عند النظّام غاية الغايات؟؟!!، و كيف نصل إلى اليقين إذا أهملنا طلبه و أصبح همنا هو الشك؟؟. و ما ذا نفعل بالشك من أجل الشك؟؟! , أليس الشك قلق و اضطراب؟؟!!، فكيف نطلبه و نترك اليقين المُؤدي إلى الثبات و اليقين و البناء؟! , و هل يُمكن أن نمارس الشك بلا يقين؟؟ كلا إن هذا غير مُمكن، لأن كل ممارسة للشك طلبا لليقين لابد لها من يقين

(1) الجاحظ: كتاب الحيوان، ج 2 ص: 20.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام