فهرس الكتاب
الصفحة 138 من 218

وربما يحتاج إلى محل. والقديم سبحانه: ليس بجسم ولا جوهر ولا عرض )) [1] .

و أقول: هذا تقسيم غير صحيح شرعا و لا علما ولا عقلا. فبغض النظر عن أن الرجل وصف الله تعالى بوصف غير شرعي، و ليس بدقيق، عندما وصفه بأنه القديم، فإن الرجل خالف الشرع في تقسيمه للموجدات. و تفصيل ذلك هو أن الله تعالى نص في آيات كثيرة على أنه هو الخالق و غيره مخلوق له. فلا يُوجد في الكون إلا الخالق و المخلوق.

و أما حكاية الجواهر و الأعراض فهي حكاية لا مبرر صحيح لها، و هي من ظنون القوم في قولهم بهذا التقسيم. لأن المخلوق مهما كانت ذاته و صفاته فهو مخلوق و يُمثل بذاته و نوعه كائنا من الكائنات. و الشاهد على ذلك أنه ثبُت شرعا و علما أن كل المخلوقات من أصل واحد، قال سبحانه: {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ} الأنبياء 30 - ،و {وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِن مَّاء فَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُم مَّن يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} النور 45 - ، و {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} فصلت:11 - . و من الثابت علميا أن كل المخلوقات تنتهي في تكوينها الدقيق إلى الذرة، و الذرة ذات تكوين واحد من جهة مادتها، و إن اختلفت في وزنها الذري [2] . و عليه فإن الذي يُسمونه عرضا هو في ذاته مخلوق، و يُمثل بنفسه جوهرا مُنفردا، له ذاتيته التي تميزه عن غيره من المخلوقات. فسواءً كان قائما بنفسه، أو بغيره فهو في الأساس كائن قائم بذاته، فإذا فصلناه عن الكائن الذي ظهر فيه، فهو سيبقى كائنا منفردا بذاته.

و أما قوله بأن العرض لا يتحيز و ربما لا يحتاج على محل، فهذا كلام لا يصح كمبرر لتقسيم المخلوق إلى جوهر و عرض. لأن كل مخلوق لابد له من حيز يُوجد فيه، حتى و إن لم نره، و لم نستطع قياسه. كما أن المقياس في التفرقة بين الجوهر و العرض ليس هو وجوده في محل من عدمه، لأن المقياس الصحيح هو الخلق و الحدوث، فكل كائن مخلوق فهو جوهر بمعنى أنه كائن حقيقي بذاته، سواء كان مرئيا بالحواس أو لا. لأن

(1) المحسن بن كرامة الجشمي: تحكيم العقول في تصحيح الأصول، ص: 59.

(2) أنظر مثلا: الموسوعة العربية العالمية، مادة: الذرة.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام