لخالقه و لا يتقدم عليه، كما أوجبوا عليه معرفته بلا حجة صحيحة من عقولهم؟؟!!. و أية فائدة ذات قيمة و أهمية من إيجاب معرفة الله عقلا من ناحية، و إيجاب تقديم العقل عليه من ناحية أخرى؟؟!!. فهذا يكاد يكون نفيا و تعطيلا كليا للمعرفة التي أوجبوها!!
و ثانيا صحيح أنه على المسلم أن يعرف ربه و صفاته و دينه، و الشرع قد جاء بذلك و أمر به و حث عليه. لكن لا يصح القول أنه يجب على كل مسلم مكلف النظر في ذلك و بالطريقة الاعتزالية. فهذا لا يصح لأن ليس كل مكلف قادر على ذلك، و لا الشرع أمره به بتلك الطريقة التي ذكرها المعتزلة. و قد أرسل الله تعالى رسوله ليكون نبيا وداعيا، و مربيا و معلما، و قد مارس كل ذلك عملياً، و لم يثبت في سيرته و لا سنته أنه علّم المسلمين بالطريقة التي قال بها المعتزلة و أوجبوها على المسلمين.
علما أن معرفة الله تعالى لا تتم بالنظر العقلي فقط، و لا بالنظر المعتزلي، و إنما هي قد تتم به و بدونه، و قد تتم بأكثر من طريق. فمعرفة الله قد تتم بالفطرة أساسا، أو بالنظر البديهي البسيط من دون تعمق نظري، و قد تتم بالشرع، و قد تتم بالنظر العلمي العميق من دون الرجوع إلى النظر المعتزلي، و قد تتم بالنظر الفلسفي التأملي دون طريقة المعتزلة، و قد تتم باجتماع كل هذه الطرق. فلا يصح حصر معرفة الله تعالى بالنظر عامة، و الاعتزالي منه خاصة.
و ثالثا ليس صحيحا أن الله تعالى لا يُعلم ضرورة و لا مُشاهدة. فهذا زعم باطل، لأن معرفة الناس لخالقهم هي معرفة فطرية ضرورية فطرهم الله تعالى عليها، يعرفونه بالفطرة و البديهة. لقوله سبحانه: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} الروم 30 - ،و {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ} الأعراف 172 - . و قال الرسول - عليه الصلاة و السلام -: (( ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يُهودانه، أو يُنصرانه، أو يُمجسانه ... ) ) [1] . و الشاهد على ذلك أيضا أن المشركين مع شركهم و كفرهم كانوا يُؤمنون بالله كخالق و
(1) البخاري: الصحيح، ج 2 ص: 95.