الكريم و السنة النبوية ليُعطي مكانة أسبق و أهم لمذهبيته الاعتزالية الزائفة بدعوى حجة العقل!!.
و أخيرا-ثالثا- إن القول بأن العقل أصل الحجتين الأخريين، لأنهما عُرفا به ولم يُعرف بهما، فافهم ذلك. هو قول غير صحيح في معظمه، و فيه تلبيس و تغليط. لأن الحقيقة هي أن العقل هو أصل للكتاب و السنة ليس من جهة المكانة و الأهمية، وإنما هو أصل من جهة الوسيلة فقط، فهو أداة معرفة الوحي و فهمه، فبدونه لا يُمكن معرفته. فليس هو الذي أوجدهما، و لا هو يستطيع أن يتقدم عليهما، و لا أن يُزاحمهما، و لا أن يتساوى معهما. فدور العقل كوسيلة أولى لفهم الوحي لا يجعله أسبق من الوحي، و لا حَكما عليه، و لا أصلا له. و لا يصح استخدام مصطلح: العقل أصل الوحي، فهو مُصطلح ناقص و غير دقيق، و فيه التباس و تدليس. فلا هو أصل له، و لا هو أسبق منه. لأن الوحي كلام الله تعالى، و الإنسان مخلوق لخالقه، فالوحي أسبق من الإنسان، و العقل ليس أصلا للوحي، و لا هو مُتحكم فيه.
و ليس صحيحا أن العقل لم يُعرَف بالوحي، لأن الثابت شرعا أن الوحي عرّفنا بالإنسان كله، منه العقل كغريزة فينا، و بكيفية نموه و اكتسابه للمعارف، لقوله سبحانه: {وَاللّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} النحل 78 - . و أخبرنا بأهمية دور العقل في عمارة الأرض، و بأنه لا يحق له أن يشرّع لنفسه، و لا أن يعبد ذاته. و لا هو الذي يُوجب على الناس عبادتهم لخالقهم. كما أن الوحي جاء لُيربي العقل و يعُلمه منهج الاستدلال الصحيح البعيد أن الأهواء و الظنون من جهة، و أمره بوجوب التثبت والاحتكام إلى البراهين؛ كما في قوله سبحانه: {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً} الإسراء 36 - ، {إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ وَلَقَدْ جَاءهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَى} النجم 23 - ، {قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} البقرة 111 - ،و {قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذَّبِينَ} آل عمران 137 - ، و {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} العنكبوت 20 - . فالوحي جاء إلى الإنسان ليُعرفه بربه و بنفسه، و يُربيه