روحيا، وأخلاقيا، و عقليا و بدنيا، و علميا و وجدانيا. و عليه فلا يصح قول الرجل بأن العقل لم يُعرف بالوحي!!!.
و استنتاجا مما ذكرناه و تعقيبا عليه أُشير هنا أولا إلى أن المعتزلة بتقديمهم لآرائهم و ظنونهم و أهوائهم على الشرع، فهم في الحقيقة قد خالفوا الشرع الصحيح و العقل الصريح و جنوا عليهما. و تفصيل ذلك هو أن تقدُمِهم على الشرع هو مخالفة شرعية صريحة، لأن الله تعالى نهانا على أن نتقدم على الله ورسوله، كقوله سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} الحجرات 1 - ،و أمرنا بأن نطيعه و لا نتبع السُبل و الأهواء فنظل، قال سبحانه: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} الأنعام 153 - ،و {فَلاَ تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَن تَعْدِلُوا وَإِن تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً} النساء 135 - . و لا شك أن تقديم المعتزلة لآرائهم و ظنونهم على الشرع هو تعطيل للوحي، و عصيان لله تعالى تترتب عنهما انحراف كبير في الفكر و السلوك.
و خالفوا العقل لأن العقل الصريح لا يقول بمنطقهم، و لا بمذهبهم في تقديمهم لآرائهم و ظنونهم على الشرع. و إنما ينص ببداهة أنه من الطبيعي و البديهي جدا أن يكون الإنسان عبدا لخالقه، و أن يُطيعه بكل جوانبه قلبا و قالبا. و أنه لا يصح للعقل أن يتقدم على خالقه أبدا، لأنه من الجهل و الغباء و الحماقة أن يتقدم المخلوق على خالقه، و الجاهل على العالم، و الأعمى على البصير. فمن البديهي جدا أن يتقدم الخالق على المخلوق، و يكون المخلوق عبدا لخالقه، و لا يصح أن يحدث العكس، فإن حدث فهو انحراف سببه الأهواء و الظنون لا العقل الصريح. و عليه فمن يقدم رأيه و هواه على الشرع الصحيح فهو جاهل و أحمق، و مُتكبر مغرور، و ليس موقفه من العقل في شيء.
و جنوا عليهما معا، لأن تقديمهم لآرائهم و رغباتهم على الشرع أدى إلى الجرأة عليه، و إلى تعطيله و تراجعه و تحجيمه من أن يكون حَكما على الإنسان في كل حياته. و جنوا على العقول لأنهم وضعوها في غير مكانها الصحيح، و حمّلوها ما لا تستطيع، و أخرجوها من مجال العبودية لخالقها، و جعلوها وثنا معبودا من دون إذن منه. لأن العقل الصريح يستحيل أن يقول بقولهم، و لا يقرهم عليه.