وكذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لو أنه سكت في بادىء الأمر عن تسفيه أحلام قريش والتعرض لآلهتهم وعيبها ولو أنه"حاشاه"كتم الآيات التي فيها تسفيه لمعبوداتهم كاللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى.. والآيات التي تتعرض لأبي لهب والوليد وغيرهما.. وكذا آيات البراءة منهم ومن دينهم ومعبوداتهم -وما أكثرها كسورة (الكافرون) وغيرها.. لو فعل ذلك.. وحاشاه من ذلك.. لجالسوه ولأكرموه وقرّبوه.. ولما وضعوا على رأسه سلى الجزور وهو ساجد، ولما حصل له ما حصل من أذاهم مما هو مبسوط ومذكور في الثابت من السيرة.. ولما احتاج إلى هجرة وتعب ونصب وعناء.. ولجلس هو وأصحابه في ديارهم وأوطانهم آمنين.. فقضية موالاة دين الله وأهله ومعاداة الباطل وأهله فُرضت على المسلمين في فجر دعوتهم قبل فرض الصلاة والزكاة والصوم والحج، ومن أجلها لا لغيرها حصل العذاب والأذى والابتلاء.
* يقول الشيخ حمد بن عتيق في رسالة له في الدرر السنية:"فليتأمل العاقل وليبحث الناصح لنفسه عن السبب الحامل لقريش على إخراج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه من مكة وهي أشرف البقاع، فإن المعلوم أنهم ما أخرجوهم إلا بعدما صرحوا لهم بعيب دينهم وضلال آبائهم، فأرادوا منه - صلى الله عليه وسلم - الكف عن ذلك وتوعدوه وأصحابه بالإخراج، وشكا إليه أصحابه شدة أذى المشركين لهم، فأمرهم بالصبر والتأسي بمن كان قبلهم ممن أوذي، ولم يقل لهم اتركوا عيب دين المشركين وتسفيه أحلامهم، فاختار الخروج بأصحابه ومفارقة الأوطان مع أنها أشرف بقعة على وجه الأرض { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً } أهـ. من جزء الجهاد ص199."