فهرس الكتاب
الصفحة 5 من 123

قرآنٍ ولا تعملون من عملٍ إلا كنا عليكم شهوداً إذ تُفيضون فيه وما يعزب عن ربك من مثقال ذرةٍ في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتابٍ مبين [1]

وقوله (جلَّ) أي: تنزه وترفع، (عن الأشباه) : جمع شبيه أي ليس له مثيل، (والأنداد) جمع ند، أي: ليس له نظيرٌ سبحانه، وهذا المعتقد الجليل تصديق قوله تعالى: {ليس كمثله شيءٌ وهو السميع البصير} [2] ، وهذه الآية العظيمة قاعدةٌ إيمانيةٌ جليلة تبين لنا منهج الاعتقاد السليم في أسماء الله وصفاته، فنثبت ما أثبته سبحانه وتعالى لنفسه دون أن نشبهه بشيءٍ من مخلوقاته، وننزهه عما لا يليق بجلاله وعظيم سلطانه دون أن ننفي ما أثبته لنفسه سبحانه، فهو السميع بسمعٍ لا نظير له ولا نقص فيه ولا مشابهة لسمع غيره سبحانه وتعالى،

وعنوان هذا المنهج العقدي: تنزيهٌ دون تعطيل، وإثباتٌ دون تمثيل. فننزه الله تعالى عن أن يكون بصره كبصر أحدٍ مِن خلقه دون أن ننفي صفة البصر، ونؤمن أن الله تعالى بصيرٌ دون أن نتوهم مماثلة بصره لبصر أحدٍ من المخلوقين.

قوله (وتنزه عن الصاحبة والأولاد) أي: ترفَّع سبحانه وتعالى عن أن يكون له زوجة أو ولد، وهذا مصداق قوله تعالى: {أنَّى يكون له ولدٌ ولم تكن له صاحبة} [3] أي لم تكن له زوجة، وقال تعالى: {وأنه تعالى جَدُّ ربنا ما اتخذ صاحبةً ولا ولداً} [4] ، وهذا تذكيرٌ بعقيدة أعداء الله تعالى من المغضوب عليهم والضالين، وتنبيهٌ على جريمتهم الشنعاء حين شتموا رب العالمين، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"قال الله: كذَّبني ابن آدم ولم يكن له ذلك، وشتمني ولم يكن له ذلك؛ فأما تكذيبه إياي فقوله لن يعيدني كما بدأني، وليس أول الخلق بأهون عليَّ من إعادته، وأما شتمه إياي فقوله اتخذ الله ولداً، وأنا الأحد الصمد لم ألد ولم أولد ولم يكن لي كفأً أحد" [5] . فليحذر المسلم الغيور المحبُّ لربه من أن يراه مولاه على ودٍ ومحبةٍ وأُنسٍ مع من يكذبه ويشتمه، وليحذر المسلم المخلص لربه من أن يسمعه مولاه وهو يهنئ من يشتمه بِعيدٍ ديني يقوم على نسبة الولد لله، قال تعالى: وقالوا اتخذ الرحمن ولداً. لقد جئتم شيئاً إدَّاً.

(1) يونس - 61

(2) الشورى - 11

(3) الأنعام - 101

(4) الجن - 3

(5) صحيح البخاري - حديث 4690

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام