فهرس الكتاب
الصفحة 89 من 127

وقد أورد أهل التفسير وعلى رأسهم شيخ المفسرين ابن جرير رحمه الله ما ورد في سبب نزول هذه الآيات، وقد اختصر الشيخ أحمد شاكر رحمه الله ما ورد في سبب نزول الآيات - وذلك اختصارا لما ذكره ابن جرير وابن كثير وغيرهما - فقال رحمه الله:

نزلت هذه الآيات الكريمات في المسارعين في الكفر، الخارجين عن طاعة الله ورسوله، المقدمين آراءهم وأهواءهم على شرائع الله عز وجل (من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم) أي: أظهروا الإيمان بألسنتهم، وقلوبهم خراب خاوية منه، وهؤلاء هم المنافقون (ومن الذين هادوا) أعداء الإسلام وأهله، وهؤلاء كلهم (سماعون للكذب) أي: مستجيبون له منفعلون عنه (سماعون لقوم آخرين لم يأتوك) أي: يستجيبون لأقوام آخرين لا يأتون مجلسك يا محمد.

وقيل: المراد أنهم يتسمعون الكلام وينهونه إلى قوم آخرين ممن لا يحضر عندك من أعدائك) يحرفون الكلم من بعد مواضعه (أي: يتأولونه على غير تأويله، ويبدلونه من بعد ما عقلوه وهم يعلمون) يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه وإن لم تؤتوه فاحذروا) قيل: نزلت في أقوام من اليهود قتلوا قتيلا وقالوا: تعالوا نتحاكم إلى محمد، فإن حكم بالدية فاقبلوه، وإن حكم بالقصاص فلا تسمعوا منه.

والصحيح: أنها نزلت في اليهوديين اللذين زنيا، وكانوا قد بدلوا كتاب الله الذي بأيديهم من الأمر برجم من أحصن منهم، فحرفوه واصطلحوا فيما بينهم على الجلد مائة جلدة والتحميم والإركاب على حمارين مقلوبين، فلما وقعت تلك الكائنة بعد الهجرة قالوا فيما بينهم: تعالوا حتى نتحاكم إليه، فإن حكم بالجلد والتحميم فخذوا عنه، واجعلوه حجة بينكم وبين الله، ويكون نبي من أنبياء الله قد حكم بينكم بذلك، وإن حكم بالرجم فلا تتبعوه في ذلك، وقد وردت الأحاديث بذلك.

فروى مالك عن نافع عن ابن عمر أنه قال: إن اليهود جاءوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكروا له أن رجلا منهم وامرأة زنيا، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما تجدون في التوراة في شأن الرجم؟ فقالوا: نفضحهم ويجلدون، قال عبد الله بن سلام: كذبتم، إن فيها الرجم، فأتوا بالتوراة فنشروها، فوضع أحدهم يده على آية الرجم، فقرأ ما قبلها وما بعدها، فقال له عبد الله بن سلام: ارفع يدك، فرفع يده فإذا آية الرجم، فقالوا: صدق يا محمد، فيها آية الرجم، فأمر بهما

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام