يستطيع إلا أن يجزم غير متردد ولا متأول بأن ولاية القضاء في هذه الحال باطلة بطلانا أصليا لا يلحقه التصحيح ولا الإجازة.
إن الأمر في هذه القوانين الوضعية واضح وضوح الشمس، هي كفر بواح لا خفاء فيه ولا مداورة، ولا عذر لأحد ممن ينتسب للإسلام كائنا من كان في العمل بها أو الخضوع لها أو إقرارها، فليحذر امرؤ لنفسه، وكل امرئ حسيب نفسه، ألا فليصدع العلماء بالحق غير هيابين، وليبلغوا ما أمروا بتبليغه، غير موانين ولا مقصرين. اه [1]
قلت: فانظر إلى كلام الشيخ أحمد شاكر رحمه الله وإلى قوته ووضوحه تعلم حكم هذه القوانين الوضعية الطاغوتية وحكم من يعتقد صحة العمل بها، وتعرف أيضا الفرق بين عهد التتار الذي ظل فيه المسلمون محتفظين بعقيدتهم مستمسكين بأحكام شريعتهم، ولم يكن يُعْمَل بالقانون الوضعي - الياسق - إلا في طبقة التتار فقط وبين عهدنا الذي ألزم الحكام المرتدون فيه الناس جميعا بالعمل والحكم بالقانون الوضعي الكافر الذي أصبح مهيمنا على كل أحكام الشريعة في المحاكم والدوائر الحكومية، وصارت الحكومات المتعاقبة على اختلاف انتماءاتها السياسية هي الأداة المنفذة لهذا القانون، إذا عرفت هذا وعرفت الفرق بين حكام التتار وحكام عصرنا عرفت جناية الحكام في زماننا على الشريعة وأنهم أشد ظلما وظلاما وكفرا من التتار الذين أجمع العلماء على كفرهم.
ويقول سيد قطب رحمه الله: إن الإنسان ليعجب كيف ساغ لمسلم - يدعي الإسلام - أن يترك شريعة الله كلها بدعوى الملابسات والظروف.
وكيف ساغ له أن يظل يدعي الإسلام بعد هذا الترك الكلي لشريعة الله وكيف لا يزال الناس يسمون أنفسهم مسلمين، وقد خلعوا ربقة الإسلام من رقابهم وهم يخلعون شريعة الله كلها، ويرفضون الإقرار له بالألوهية في صورة رفضهم الإقرار بشريعتة وبصلاحية هذه الشريعة في جميع الملابسات والظروف. اه [2]
وقال الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب رحمهم الله، وقد سئل عما يحكم به أهل السوالف من البوادي وغيرهم من عادات الآباء والأجداد، هل
(1) عمدة التفسير، ج 4/ 173 - 174.
(2) الظلال، ج 2/ 901 - 902.