وقوله تعالى (وإن أطعتموهم إنكم لمشركون) أي حيث عدلتم عن أمر الله لكم وشرعه إلى قول غيره، فقدمتم عليه غيره فهذا هو الشرك، كقوله تعالى (اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله ... ) الآية، وقد روى الترمذي في تفسيرها عن عدي بن حاتم أنه قال يا رسول الله: ما عبدوهم، فقال: (بلى إنهم أحلوا لهم الحرام، وحرموا عليهم الحلال فاتبعوهم، فذلك عبادتهم إياهم) . اه [1]
وقال القرطبي رحمه الله: (وإن أطعتموهم) أي في تحليل الميتة (إنكم لمشركون) فدلت الآية على أن من استحل شيئا مما حرم الله تعالى صار به مشركا، وقد حرم الله الميتة نصا، فإذا قبل تحليلها من غيره فقد أشرك. اه [2]
تنبيه
يُلاحَظ من أقوال أهل التفسير في الآية السابقة أن أهل الباطل في كل زمان ومكان يتحايلون لتلبيس الحق بالباطل على أهل الإسلام، وذلك بتبديل الأسماء الشرعية ابتغاء تبديل الأحكام، فقد قال كفار قريش لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إن هذه الميتة لا يصح تسميتها بهذا الإسم - الميتة - إنما هي ذبيحة الله التي ذبحها بيده، فلا يجوز أن تتركوها وتأكلوا ما ذبحتموه أنتم بأيديكم، حتى كاد ذلك أن يؤثر في نفوس بعض الصحابة رضي الله عنهم، فحذرهم الله تعالى من طاعة أهل الشرك في تزيينهم وتلبيسهم، وهكذا يفعل أعداء الله تعالى في كل زمان ومكان فإنهم يحاولون أن يلبسوا على أهل الحق دينهم ويغيروا الأسماء الشرعية ليضلوا الناس عن دين الله تعالى، ومثل هذا ما يحدث في زماننا هذا من تسمية المجرمين للخمر باسم المشروبات الروحية وللدعارة والفجور والتبرج والسفور والزنا باسم الفن، وأعظم من ذلك وصفهم الردة الصريحة عن دين الله تعالى بأنها حرية الرأي والفكر، ووصفهم الاستهزاء بدين الله تعالى والسخرية منه بأنها حرية التعبير والصحافة، ويجب على أهل الإسلام أن يتنبهوا لحيل أهل الكفر والإلحاد ولا ينخدعوا بها، فإنه من المعلوم أن العبرة بالحقائق لا بالأسماء ولذلك فقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أنه سيأتي أناس يستحلون المحرمات بعد أن يغيروا اسمها، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تذهب الليالي والأيام حتى تشرب فيها طائفة من أمتي الخمر يسمونها بغير
(1) تفسير ابن كثير، ج2/ 274 - 275، وحديث ابن عباس المذكور رواه ابن ماجة وابن أبي حاتم والحاكم بأسانيد صحيحة.
(2) تفسير القرطبي، ج7/ 79، ط: دار الحديث.