فهرس الكتاب
الصفحة 5 من 43

وعلا أولى بالاتصاف بالإرادة من غيره، فيكون الباري -جل وعز-وجميع العالم مريدين بتلك الإرادة، وإنه محال.

وقوله:"لا تبلغه الأوهام ولا تدركه الأفهام".

لأن كل ما تخيل في الوهم، أو تصور في الفهم، فالله تعالى بخلافه، وهو سبحانه خالق التخيل في الوهم، والتصور في الفهم، وهذا وسوسة الشياطين، وعلامة محض الإيمان، كما قال صلى الله عليه وسلم:"الحمد لله الذي رد أمر الشيطان إلى الوسوسة". الحديث المعروف.

قوله:"لا يشبه الأنام".

مسألة: قال أهل الحق: الباري سبحانه وتعالى لا يشبهه شيء ممن خلقه لأن جميع العالم جواهر وأجسام وأعراض، والله تعالى منزه عن جميع ذلك.

وخالف أهل الحق في ذلك طوائف كثيرة من المشبهة والكرامية وغلاة الروافض، واليهود ويقولون: هو جسم، والنصارى يقولون: هو جوهر، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.

والحجة لأهل الحق: أن العرض ما يستحيل بقاؤه، ويمتنع قيامه بذاته، وما يفتقر إلى ذات يقوم بها، وما يستحيل بقاؤه لا يكون إلهاً، فالباقي سبحانه يستحيل عدمه؛ لأنه واجب البقاء مستغنٍ في الوجود عن غيره، فثبت أن الباري -جل وعلا-ليس بعرض.

وكذلك فإنه عبارة عن الأصل الذي يتركب منه الجسم، وهو الجزء الذي لا يتجزأ، والله تعالى يستحيل تركبه إلى غيره، وتركب غيره إليه، فاستحال وصفه بكونه جوهراً.

وكذلك الجسم فإن الجسم عبارة عن المؤتلف، أول ما له الأبعاد الثلاثة، وكل ذلك مستحيل على الله سبحانه وتعالى؛ لأن القول بكن جسماً يؤدي إلى قدم العالم، أو حدث الصانع وذلك محال؛ لان كل جزء قبل التأليف قائم بذاته؛ لأنه يستحيل الائتلاف على ما لا قيام له بذاته، فبعد ذلك لا يخلو إما إن كان كل جزء موصوفاً بصفات الكمال كالحياة والقدرة والسمع والبصر والإرادة، أو لم يكن موصوفاً، أو كان الموصوف بها واحداً من الأجزاء، أو بعض الأجزاء دون البعض، فلو لم يكن واحد منها موصوفاً بصفات الكمال، لكان

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام