فهرس الكتاب
الصفحة 39 من 43

"جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ" (الواقعة: 24، الأحقاف: 14) .

والأشعري يسميه كسباً ولا يسميه فعلاً، وافقنا في المذهب وخالفنا في التسمية، وما تلونا من النصوص لم يفرق بين الفعل والكسب.

ثم الفرق بين الخلق والكسب: أن المقدور مخترع ومكتسب فمن حيث كونه مخلوقاً يضاف إلى الله تعالى بجهة الاختراع، ومن حيث كونه كسباً يضاف إلى العبد ولا استحالة في دخول مقدور واحد تحت قدرة قادرين بجهتين مختلفين. أحدهما: خلقاً، وهي خارجة عن مقدور العبد. والأخرى: كسباً.

ثم الباري سبحانه وتعالى تارة يخلق في العبد حركة جبرية، فيكون العبد مضطراً فيها لا يقدر على الامتناع كحركة المرتعش وحركات العروق النابضة، فتكون هذه محض مقدور الله تعالى اختص بها تخليقاً وإيجاداً، وتارة يخلق في العبد قدرة"اختيارية"عند قصد العبد، واختياره مقارناً له. ويقدر العبد على صرفها إلى أي فعل شاء، إلا أن الله سبحانه وتعالى أمره بصرفها إلى الطاعات، ونهاه عن صرفها إلى المعاصي، فكان تكليفاً بما للعبد قدرة على الإيمان به والامتناع عنه، ولو لم يكن كذلك لكان الأمر والنهي سفهاً، ولهذا في الحركة الجبرية لم يرد الأمر بها والنهي عنها، ولم بتعلق بها تكليف لعجز المكلَّف عن الامتناع عنها، وعدم قدرته عليها؛ لأن الله تعالى لم يعذبه عليها.

فالعبد لا ينفرد بإيجاد مقدور إلا بتخليق الله القدرة فيه لاحتياجه وافتقاره إلى الله تعالى، فكان فعله كسباً وهو استعمال ما أوجده في ربه من القدرة فيه، والباري سبحانه وتعالى ينفرد باختراع هوتخليقه، مستغنٍ عن غيره وإيجاده واختراعه وتخليقه، فظهر بذلك الفرق بين الخلق والكسب، وبالله العصمة.

وقوله: وفي دعاء الأحياء منفعة للأموات، فالله يستجيب الدعوات ويقضي الحاجات، كقوله تعالى:"دْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ" (غافر: 60>) .

وقوله: والله يملك كل شيء ولا يملكه شيء ولا غنى عن الله طرفة عين، ومن

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام