فهرس الكتاب
الصفحة 17 من 43

وقوله: ومن لم يتوق النفي والتشبيه، زل ولم يصب التنزيه، فإن ربنا جل وعلا موصوف بصفات الوحدانية، منعوت بنعوت الفردانية، ليس في معناه احد من البرية.

يعني: بالنفي نفي الصفات على ما ذهب إليه المعطلة، والتشبيه ما ذهبت إليه على ما ذكرنا قبل ذلك. وقد روي عن أبي حنيفة في بيان مذهب السنة والجماعة: أن لا تعطيل ولا تشبيه ولا جبر ولا تفويض، روي ذلك عن محمد بن علي الباقر رضي الله عنهما.

وقوله: تعالى عن الحدود والغايات والأركان والأعضاء والأدوات، لا تحويه الجهات الست كسائر المبتدعات.

مسألة: قال أهل الحق: إن الله تعالى متعالٍ عن المكان غير متمكن في مكان، ولا متحيز إلى جهة خلافاً للكرامية والمجسمة وغلاة الروافض، فإنهم يقولون: إنه تعالى على العرش، تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً، لأن في إثبات المماثلة والمشابهة من الجهات حدوثه وإزالة قدمه وذلك محال، والذي يدل عليه قوله تعالى:"لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ" (الشورى: 11) .

فالله سبحانه وتعالى نفى أن يكون له مثل من الأشياء. والمكان المتمكن متساويان قدراً متماثلاً لاستوائهما في العدد، فكان القول بالمكان والتمكن رد لهذا النص المحكم الذي لا احتمال فيه، ورد مثله يكون كفراً ومن حيث المعقول: أن الله تعالى كان ولا مكان؛ لأن المكان حادث بالاجتماع، فعلم يقيناً أنه لم يكن متمكناً في الأزل في مكان، فلو صار متمكناً بعد وجود المكان لصار متمكناً بعد أن لم يكن متمكناً.

ولا شك أن هذا المعنى حادث، وحدوث المعنى في الذات أمارة الحديث، وذات القديم يستحيل أن تكون محل الحوادث على ما مر، تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً.

وروي عن علي -كرم الله وجهه-أنه سئل عن قوله تعالى:"الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى" (طه: 5) قال: نؤمن بها وبما أراد بها. كما ذهب إليه الطحاوي، فلا نشتغل بتأويلها. ومن أول حمل الاستواء على الاستيلاء حمله على التمام وحمل العرش على الملك.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام